خروج شريك بن عون على أبي جعفر وخلعه قال: وذكروا أن أبا جعفر لما استقامت له الأمور، واستولى على الملك، خرج عليه شريك بن عون الهمداني وقال: ما على هذا بايعتك، ولا بايعنا آل محمد على أن تسفك الدماء وأن يعملوا بغير الحق، فخالف أبا جعفر، وتبعه أكثر من ثلاثين ألفا، فوجه إليه أبو جعفر زياد بن صالح الخزاعي، فقاتله شهورا، ونهى أبو جعفر أن يسبى أحد منهم، أو يقتل أحد من رجالهم، لأنه كان فيهم قوم أخيار ورجال أشراف، وكان خروجهم ديانة وإنكارا للدماء، وللعمل بغير الحق، فلذلك لم يقتلوا. وكتب إليهم: وإن عدتم عدنا، وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا، وقد عفونا عنكم مرتكم هذه، فالله الله على دمائكم احقنوها.
اجتماع شبيب بن شيبة مع أبي جعفر قبل ولايته وبعدها قال: وذكروا أن شبيب بن شيبة قال: حججت عام هلك هشام بن عبد الملك، فبينما أنا مريح (1) ناحية المسجد، إذ طلع علي من بعض أبوابه فتى أسمر، رقيق السمرة، موفر اللمة (2)، خفيف اللحية، رحب الجبهة، كأن عينيه لسانان ناطقان، عليه أبهة الأملاك، في زي النساك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه، والعفو في صورته، واللب في مشيته فما ملكت نفسي أن نهضت في أثره سائلا عن خبره، فتحرم بالطواف. فلما قضى طوافه قصد المقام ليركع، وأنا أرعاه ببصري، ثم نهض منصرفا، فكأن عينا أصابته، فكبا كبوة دميت منها أصبعه، فدنوت منه متوجعا لما ناله، متصلا به، أمسح عن رجله عفر التراب، فلا يمتنع علي، ثم شققت حاشية ثوبي، فعصبت على رجله، فلم ينكر ذلك، ثم نهض متوكئا علي، وانقدت له حتى أتى بناء بأعلى مكة، فابتدره غلامان، تكاد صدورهما تنفرج من هيبته، ففتحا له الباب، فدخل واجتذبني، فدخلت بدخوله، فخلى يدي، وأقبل على القبلة فصلى ركعتين، ثم استوى في صدر مجلسه، فحمد الله وصلى على نبيه، ثم قال:
لم يخف علي مكانك منذ اليوم، فمن تكون؟ فقلت: شبيب بن شيبة التميمي. فقال:
الأهتمي؟ فقلت: نعم. فرحب وقرب، ووصف بأبين وصف، وأفصح لسان. فقلت:
أصلحك الله، أحب المعرفة، وأجل عن المسألة. فتبسم وقال: بلطف أهل العراق: أنا عبد الله بن محمد بن علي بن عباس، فقلت: بأبي أنت وأمي، ما أشبهك بنسبك، وأدلك على