قلت: لم أرد هذا. قال: فما الذي تريد؟ قلت توقعون بالولي وتحظون (1) العدو. فقال:
من يسعد بنا من الأولياء أكثر، ومن يسلم معنا من الأعداء أقل، إنما نحن بشر، ولا يعلم الغيب إلا الله، وربما استترت عنا الأمور، فنوقع بمن لا نريد، وإن لنا لإحسانا يجازى الله به مداواة ما تكلم (2) ورتق ما تثلم (3) فنستغفر الله بما يعلم، وما أنكر من ألا يكون الأمر على ما بلغك، ومع الولي التعزز والإدلال، والثقة والاسترسال، ومع العدو التحرز والتذلل والاحتيال، وإنك لمسؤول يا أخا بني تميم. قلت: إني أخاف ألا أراك بعد اليوم.
قال: لكن أرجو أن أراك وتراني قريبا إن شاء الله. قلت. عجل الله ذلك، ووهب لي السلامة منكم، فإني محبكم. فتبسم وقال: لا بأس عليك ما أعاذك الله من ثلاثة. قلت:
وما هي؟ قال: قدح في الدين، وهتك للملوك، وتهمة في حرمة، واحفظ عني ما أقول لك:
أصدق وإن ضرك الصدق، وانصح وإن باعدك النصح، ولا تخالطن لنا عدوا وإن أحظيناه فإنه مخذول، ولا تخذلن وليا وإن أقصيناه وأصبحنا بترك المماكرة، وتواضع إذا رفعوك، وصل إذا قطعوك، ولا تستخف فيمقتوك، ولا تنقبض فيحتشموك، ولا تخطب الأعمال (4)، ولا تتعرض للأموال، وأنا رائح من عشيتي هذه، فهل من حاجة؟ فنهضت لوداعه فودعته، ثم قلت: أوقت لظهور الأمر؟ ومتى؟ قال الله الموقت والمنذر، فخرجت من عنده، فإذا مولى له يتبعني، فأتاني بكسوة من كسوته. وقال لي: يأمرك أبو جعفر أن تصلي في هذه، ثم افترقنا، فوالله ما رأيته إلا وحرسيان (5) قابضان علي يدفعانني إلى بيعتي في جماعة من قومي لنبايعه. فلما نظر إلي: أثبتني: وقال للحرسيين: خليا عمن صحت مودته، وتقدمت قبل اليوم حرمته، وأخذت بيعته، فأكبر الناس ذلك من قوله. ثم قال لي: أين كنت أيام أبي العباس أخي؟ فذهبت اعتذر. فقال: أمسك، فإن لكل شئ وقتا لا يعدوه، ولن يفوتك إن شاء الله حظ مودتك، وحق مشايعتك، واختر مني رزقا يسعك، أو خطة (6) ترفعك، أو عملا ينهضك.