عبد الملك ابن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق، اسمه على عين، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن محمد الأشعث، وأنت يا أمير المؤمنين اسمك على عين، وقتلت عبد الرحمن بن مسلم أبا مسلم، أول اسمه على عين، وعبد الجبار الخولاني، وسقط البيت على عمك عبد الله.
فقال: وما يدخل سقوط البيت على عمي لا أم لك. ثم استعمل أبو جعفر على خراسان أسيد ابن عبد الله الخزاعي، وأمره بتطلب عمال أبي مسلم، ثم عفا عنهم، ثم عزل الخزاعي وولى أبا عون عبد الملك بن يزيد، ثم ولى بعد أبي عون حمد بن قحطبة، ثم ولى المسير بن زهير حتى مات أبو جعفر المنصور.
قصة سابور ملك فارس قال: وذكروا أن أبا جعفر دعا إسحاق بن مسلم العقيلي، فقال له: حدثني عن الملك الذي كنت حدثتني عنه بحران. فقال: نعم أكرمك الله، أخبرني أبي عن حصين بن المنذر: أن ملكا من ملوك فارس يقال له سابور الأكبر، كان له وزير ناصح، قد أخذ أدبا من آداب الملوك، وشاب ذلك بفهم في الدين، فانتصف من أهلها فعلا ولسنا (1)، فوجهه سابور داعية إلى أهل خراسان، وكانوا قوما يعظمون الدنيا جهالة بالدين، واستكانة لحب الدنيا، وذلا لجبابرتها، فجمعهم على كلمة من الهدى يكيد بها مطالب الدنيا، واعتز بقتل ملوكهم، وتخوله إياهم (2)، وكان يقال: لكل ذليل دولة، ولكل ضعيف صولة. فلما استوثقت له البلاد، جعل إليه سابور أمرهم، وأحال عليه طاعتهم، فساس قوما لا يرامونه إلى ما سبق إليه قبلهم، فلم ينتصف سابور من طاعتهم، واستمالة أهوائهم، مع ما لا يأمن من زوال القلوب، وغدرات الوزراء، فاحتال على قطع رجائه عن قلوبهم، فصمم على قتله عند وروده عليه برؤساء أهل خراسان وفرسانهم، فقتله، فلم يرعهم إلا ورأسه بين أيديهم، فوقف بهم بين الفرقة وتخطف الأعداء، ونأى (3) الرجعة واليأس من صاحبهم، فرأوا أن يستتموا الدعوة بطاعة سابور، ويتعوضوه (4) من الفتنة، فملكهم ثمانين عاما.
فأطرق أبو جعفر مليا، ثم قال متمثلا:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الإنسان إلا ليعلما