الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٣٥
وقال له: كدت أن تخرج ولم أفض إليك بما تريد. فقال: قد أتيت يا أمير المؤمنين، فليأمرني بأمره. قال: انصرف إلى منزلك، وضع ثيابك وادخل الحمام، ليذهب عنك كلال السفر، وجعل أبو جعفر ينتظر به الفرصة، فأقام أياما يأتي أبا جعفر كل يوم، فيريه من الاكرام ما لم يره قبل ذلك، حتى إذا مضت له أيام أقبل على التجني. فأتى أبو مسلم إلى عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين، فإني قد أردت عتابه بمحضرك. فقال عيسى: أنت في ذمتي، فأقبل أبو مسلم، فقيل له: ادخل. فلما صار إلى الزقاق الداخلي، قيل له إن أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست؟ فجلس، وأبطأ عيسى بن موسى عليه، وقد هيأ له أبو جعفر عثمان بن نهيك، وهو على حرسه في عدة، فيهم شبيب بن رياح، وأبو حنيفة حرب بن قيس، فتقدم أبو جعفر إلى عثمان فقال له: إذا عاتبته فعلا صوتي فلا تخرجوا. وجعل عثمان وأصحابه في ستر خلف أبي مسلم في قطعة من الحجرة، وقد قال أبو جعفر لعثمان بن نهيك: إذا صفقت بيدي فدونك يا عثمان. فقيل لأبي مسلم: أن قد جلس أمير المؤمنين، فقام ليدخل، فقيل له: انزع سيفك فقال: ما كان يصنع بي هذا. فقيل: وما عليك؟ فنزع سيفه، وعليه قباء أسود، وتحته جبة خز، فدخل فسلم، وجلس على وسادة ليس في المجلس غيرها، وخلف ظهره القوم خلف ستر. فقال أبو مسلم: صنع بي يا أمير المؤمنين ما لم يصنع بأحد، نزع سيفي من عنقي. قال: ومن فعل ذلك قبحه الله؟ ثم أقبل يعاتبه، فعلت وفعلت، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يقال مثل هذا لي على حسن بلائي، وما كان مني؟ فقال له أبو جعفر: يا بن الخبيثة، والله لو كانت أمة أو امرأة مكانك لبلغت ما بلغت في دولتنا، ولو كان ذلك ذلك إليك ما قطعت فتيلا. ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك، والكاتب إلي تخطب آمنة ابنة علي ابن عمي، وتزعم أنك أبو مسلم بن سليط بن عبد الله بن العباس، لقد ارتقيت، لا أم لك، مرتقى صعبا. قال: وأبو جعفر ترعد يده، فلما رأى أبو مسلم غضبه قال: يا أمير المؤمنين، لا تدخل على نفسك هذا الغم من أجلي، فإن قدري أصغر مما بلغ منك هذا. فصفق أبو جعفر بيده، فخرج عثمان بن نهيك، فضربه ضربة خفيفة فأومأ أبو مسلم إلى رجل أبي جعفر يقبلها ويقول:
أنشدك الله يا أمير المؤمنين، استبقني لأعدائك، فدفعه برجله وضربه شبيب على حبل العاتق (1)، فأسرعت فيه، فقال أبو مسلم: وانفساه: ألا قوة؟ ألا مغيث؟ وصاح أبو جعفر:
أضرب لا أم لك، فاعتوره القوم بأسيافهم فقتلوه، فأمر به أبو جعفر، فكفن بمسح (2)،

(1) العاتق: الكتف، وحبله عظمة الترقوة وهي الواصلة من رأس العضد إلى أعلى القصبة الهوائية.
(2) المسح: ثوب خشن.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175