آخر زمانها، أن يكون إخوان العلانية، أعداء السريرة، ولست إن شاء الله من أولئك، وليس هذا زمان ذلك، إنما ذلك زمان تظهر فيه الرغبة، والرغبة تكون رغبة بعض الناس إلى بعض، صلاح دنياهم أحب إليهم من صلاح دينهم. وكتبت تحذرني ما حذرت به الأمم من قبلي، وقدما كان يقال: اختلاف الليل والنهار يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس إلى منازلهم من الجنة والنار. وكتبت تتعوذ بالله أن ننزل كتابك سوء المنزل، وأنك إنما كتبت به نصيحة فصدقت وبررت، فلا تدع الكتب إلي.
فإنه لا غنى بي عن ذلك، والسلام.
اجمتاع أبي جعفر مع عبد الله بن مرزوق قال: وذكروا أن أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين لما حج ودخل في الطواف بالبيت الحرام، أمر بالناس فنحوا عن البيت، ثم طاف أسبوعه، فوثب إليه عبد الله بن مرزوق؟ وقال:
من جرأك على هذا؟ فلببه بردائه وهزه. ثم قال له: من جعلك أحق بهذا البيت من الناس:
تحول بينه وبينهم، وتنحيهم عنه؟ فنظر أبو جعفر في وجهه، فعرفه. فقال عبد الله بن مرزوق:
قال: نعم. فقال: من جرأك على هذا؟ ومن أقدمك عليه؟ فقال عبد الله بن مرزوق: وما تصنع بي؟ بيدك ضر أو نفع؟ والله ما أخاف ضرك، ولا أرجو نفعك حتى يكون الله عز وجل يأذن لك فيه، ويلهمك إلى فعله. فقال له أبو جعفر: إنك أحللت بنفسك وأهلكتها. فقال عبد الله بن مرزوق: اللهم إن كان بيد أبي جعفر ضري فلا تدع من الضر شيئا إلا أنزلته علي، وإن كان بيده منفعتي فاقطع عني كل منفعة منه، أنت يا رب بيدك كل شئ، ومليك كل شئ، فأمر به أبو جعفر فحمل إلى بغداد فسجنه بها. وكان يسجنه بالنهار، ويبعث إليه بالليل يبيت عنده ويسامره، يلبث نهاره أجمع بالسجن، ثم يسامره بالليل ليظهر للناس أنه سجن أول من اعترض عليه، لئلا يجترئ الجاهل فيقول: قد وسع عفو أمير المؤمنين فلانا، أفلا يسعني؟ فكان دأبه هذا معه زمانا طويلا حتى نسي أمره، وانقطع خبره، ثم خلى سبيله، فلحق بمكة، فلم يزل بها حتى مات أبو جعفر، وولى ابنه المهدي. فلما حج المهدي، فعل مثل ذلك، ففعل به عبد الله ابن مرزوق مثل ذلك أيضا، فأراد قتله. فقيل له: يا أمير المؤمنين إنه قد فعل هذا بأبيك، فكان من صنيعه أن حمله إلى بغداد، فسجنه بالنهار، وسامره بالليل، وأنت أحق من أخذ بهديه، واحتذى على مثاله، وورث أكروماته، فحمله المهدي معه، فمات ببغداد، رحمه الله.