سلفك: وقد سبق إلى قلبي من محبتك ما لا أبلغه بوصفي لك. قال: فأحمد الله يا أخا تميم، فإنا قوم يسعد بحبنا من يحبنا، ويشقى ببغضنا من يبغضنا، ولن يصل الأيمان إلى قلب أحدكم حتى يحب الله ورسوله، ومهما ضعفنا عن جزائه قوي الله على أدائه. فقلت له: أنت توصف بالعلم، وأنا من حملته، وأيام الموسم ضيقة، وشغل أهله كثير، وفي نفسي أشياء أحب أن أسأل عنها، أفتأذن فيها جعلت فداك؟ قال: نحن من أكثر الناس مستوحشون، وأرجو أن تكون للسر موضعا، وللأمانة واعيا، فإن كنت على ما رجوت، فهات على بركة الله.
فقدمت إليه من وثائق الإيمان ما سكن إليه، فتلا قول الله - قل أي شئ أكبر شهادة؟ قل الله شهيد بيني وبينكم - ثم قال: سل. فقلت: ما ترى في من على الموسم؟ وكان عليه يوسف ابن محمد الثقفي، خال الوليد بن يزيد، فتنفس الصعداء، ثم قال: عن الصلاة خلفه تسأل، أم استنكرت أن يتأمر على آل الرسول من ليس منهم؟ قلت: عن كلا الأمرين أسأل. قال:
إن هذا عند الله عظيم، أما الصلاة، ففرض الله على عباده، فأد فرضه عليك في كل وقت، فإن الذي ندبك لحج بيته ومجاهدة عدوه، وحضور جماعته وأعياده، لم يخبرك في كتابه أنه لا يقبل منك نسكا إلا مع أكمل المؤمنين إيمانا رحمة لك، ولو فعل ذلك بك ضاق الأمر عليك، فأسمح يسمح لك. ثم كررت عليه السؤال، فما احتجت إلى أن أسأل عن أمر ديني أحدا بعده. ثم قلت له: يزعم أهل العلم بالكتاب أنها ستكون لكم دولة لا شك فيها، تطلع مطلع الشمس، وتظهر بظهورها، فأسأل الله خيرها، ونعوذ به من شرها. قال:
فخذ بحظ لسانك ويدك منها إن أدركتها. قلت: أو يتخلف عنها أحد من العرب وأنتم سادتها؟ قال: نعم، قوم يأبون إلا الوفاء لمن اصطنعهم ونأبى إلا طلبا لحقنا، فننصر ويخذلون، كما نصر أولنا بأولهم، وخذل لمخالفتنا من خذل منهم، فاسترجعت. قال: هون عليك الأمر، سنة الله التي قد خلت في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وليس ما يكون منهم بحاجز لنا عن صلة أرحامهم، وحفظ أعقابهم فقلت: كيف تسلم لهم قلوبكم، وقد قاتلوكم مع عدوكم؟ فقال: نحن قوم حبب إلينا الوفاء وإن كان علينا، وبغض إلينا الغدر وإن كان لنا، وإنما يشذ عنا منهم الأقل، فأما أنصار دولتنا، ونقباء شيعتنا، وأمراء جيوشنا فهم ومواليهم معنا، فإذا وضعت الحرب أوزارها صفحنا للمحسن عن المسئ، ووهب للرجل قومه ومن اتصل بأسبابه، فتذهب المثابرة، وتخمد الفتنة، وتطمئن القلوب. فقلت: ويقال: إنه يبتلي بكم من أخلص لكم المحبة. فقال: قد روي أن البلاء أسرع إلى محبينا من الماء إلى قراره.