هروب مالك بن الهيثم وذكروا أن مالك بن الهيثم خرج هاربا حتى أتى همدان، وعليها يومئذ زهير بن التركي مولى خزاعة، فكتب إليه أبو جعفر: إن الله مهرق دمك إن فاتك مالك، فجاء زهير بن التركي إلى مالك بن الهيثم، فقال له: جعلت فداك، قد أعددت لك طعاما، فلو أكرمتني بدخولك منزلي. فقال له: نعم، وكان قد هيا له زهير أربعين رجلا، فلما دخل مالك قال لزهير:
عجل طعامك، وقد توثق زهير من الباب، وهيأ أصحابه، فخرج عليه الأربعون، فشدوه وثاقا، ثم وضعوا القيود في رجله، ثم قال: أبا نصر، جعلت فداك، والله ما عرفت هذه الدعوة حتى أدخلتني فيها ودعوتني إليها، فما الذي يخرجك منها، والله ما أخليك حتى تزور أبا جعفر، فبعث به إليه، فعفا عنه أبو جعفر، وولاه الموصل.
قال الهيثم: وكان يقال: إن عبد الملك بن مروان كان أحزم بني أمية، وإن أبا جعفر كان أحزم بني العباس، وأشدهم بأسا، وأقواهم قلبا، ألا ترى أن عبد الملك قتل عمرو بن سعيد في داخل قصره، وأبوابه مغلقة، وأبو جعفر قتل أبا مسلم في داخل سرادقه، وليس بينه وبين أهل خراسان إلا خرقة؟ وقال الهيثم: ذكر ابن عياش أن أبا جعفر قال لحاجبه عيسى بن روضة تقدم إلى كل من دخل أن لا يذكر أبا مسلم في شئ من كلامه. قال ابن عياش فاغتممت لذلك، فوقفت له خلف ستر، ومر راكبا مع هشام بن عمرو وعبد الله، فلما طلع عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطته وبيده الحربة ركبت. قال أبو الجراح مالك؟ فقلت: أسلم على أمير المؤمنين.
قال: دونك فدنوت والنهر بيني وبينه. فقلت: يا أمير المؤمنين هنيئا لك وقفة أقعدت كل قائم.
فقال بيده (1) على فيه ولم يلتفت كالكاره لما سمع، وأقبل على صاحبيه. قال ابن عياش: وكان هذا في سنة خمس وأربعين ومئة، ثم انصرف أبو جعفر إلى الحيرة، ومعه عمه عبد الله بن علي في غير وثاق، وعليه الأحراس، وقد هيأ له أبو جعفر بيتا، فحبسه فيه، فلما قدم به قيل:
إنه سمه. قال الهيثم: بل كان أساس البيت الذي حبسه فيه من لبن، والحيرة كثيرة السواقي، ندية الأرض. فيقال: إنه أمر من الليل بجدول، فسرح حول البيت فتهدم عليه فمات. قال ابن عياش: أقبل رجل من همدان إلى أبي جعفر في وفد من العرب فدخلوا عليه، فلما خرجوا وفاتوا بصره، قال للآذن: علي بالهمداني، فلما مثل بين يديه قال له: يا أخا همدان، أخبرني عن خليفة اسمه على عين (2) قتل ثلاثة، أسماؤهم على عين. فقال الهمداني: نعم يا أمير المؤمنين