بالفتنة، واستجهلني بالقرآن، فحرفه عن مواضعه، طمعا في قليل قد نعاه الله إلى خلقه، فمثل لي الضلالة في صورة الهدى، فكان كالذي دلى بغرور، حتى وترت (1) أهل الدين والدنيا في دينهم، واستحللت بما كان من ذلك من الله النقمة، وركبت المعصية في طاعتكم، وتوطئة سلطانكم، حتى عرفكم من كان يجهلكم، وأوطأت غيركم العشواء (2) بالظلم والعدوان، حتى بلغت في مشيئة الله ما أحب. ثم إن الله بمنه وكرمه أتاح لي الحسنة، وتداركني بالرحمة، واستنقذني بالتوبة، فإن يغفر فقديما عرف بذلك، وإن يعاقب فبما قدمت يداي، وما الله بظلام للعبيد.
فكتب إليه أبو جعفر: يا عم، أروم ما رمت، وأزول حيث زلت، ليس لي دونك مرمى، ولا عنك مقصر (3)، الرأي ما رأيت، إن كنت أنكرت من سيرته شيئا، فأنت الموفق للصواب، والعالم بالرشاد، أنا من لا يعرف غير يدك، ولم يتقلب إلا في فضلك، فأنا غير كافر بنعمتك، ولا منكر لإحسانك لا تحمل علي إصر غيري، ولا تلحق ما جناه سواي بي، إن أمرتني أشخص إليك، وألحق بخراسان فعلت. الأمر أمرك. والسلطان سلطانك، والسلام.
موت أبي العباس واستخلاف أبي جعفر قال: وذكروا أن أبا جعفر لما انقضى الموسم، وانصرف راجعا: جاءه موت أبي العباس وكان بينه وبين أبي مسلم مرحلة. فكتب إلى أبي مسلم: إنه قد حدث حدث ليس مثلك غائب عنه، فالعجل العجل. قال إسحاق بن مسلم: فقلت لأبي جعفر وأنا أسايره، ونحن مقبلون من مكة: أيها الرجل، لا ملك لك، ولا سلطان مع هذا العبد. فقال أبو جعفر: ظهر غشك، وبدا منك ما كنت تكتم، بأبي مسلم يفعل هذا؟ قلت: نعم، فإني أخاف عليك منه يوم سوء فقال: كذبت. قال إسحاق: فسكت ثم لقيته بعد ذلك من الغد، ولا والله ما عرفتها فيه، وعاودني بمثل كلامه الأول، فقلت له: أكثر أو أقل، إن لم تقتله والله يقتلك. قال: فهل شاورت في هذا أحدا؟ قلت: لا، قال: اسكت، فسكت. فقدم الكوفة، فإذا عيسى بن موسى قد سبقه إلى الأنبار، وغلب على المدينة والخزائن، وبيوت الأموال والدواوين، وخلع