أبو جعفر إلى أبي مسلم بخراسان، وقدم عليه، استخف به بعض الاستخفاف، ولم يزد الاجلال له، وجعل يعظم في كلامه وفعله الخليفة، ولم يزل أبو مسلم يتخوف أن يصنع به مثل ما صنع بأبي سلمة الخلال، وكان لا يظهر ذلك لأحد. فلما قدم أبو جعفر عليه، ومعه الثلاثون رجلا، وفيهم عبد الله بن الحسين، قام إليه سليمان بن كثير. فقال: يا هذا إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعوا إلى ما تريدون. فظن أنه دسيس من أبي مسلم، فخاف ذلك، فبلغ أبا مسلم أن سليمان بن كثير سامر عبد الله بن الحسين بن علي. فقال لسليمان: بلغني أنك سامرت هذا الفتى. قال: أجل، له قرابة وحق علينا وحرمة، فسكت. فأتى عبد الله ابن الحسين أبا مسلم فذكر له ذلك، وظن أنه إن لم يفعل اغتاله أبو مسلم. فبعث أبو مسلم إلى سليمان بن كثير، فقال له: أتحفظ قول الإمام: من اتهمته فاقتله. قال نعم. قال:
الإمام. قد اتهمتك فقال: ناشدتك الله، قال: لا تناشدني وأنت منطو على غش فأمر فضربت عنقه، وكتب أبو مسلم إلى محمد بن الأشعث، أن يأخذ عمال أبي سلمة، فيضرب أعناقهم، واستعمل أبو العباس عيسى بن علي على فارس، فأخذه محمد فهم بقتله. فقيل لمحمد: إن هذا لا يسوغ لك. قال: أمرني أبو مسلم أن لا يقدم علي أحد إلا ضربت عنقه.
فقال: ما كان أبو مسلم ليفعل شيئا إلا بأمر الإمام. فلما قدم أبو جعفر من عند أبي مسلم قال لأبي العباس: لست بخليفة، ولا أمرك بشئ، إن لم تقتل أبا مسلم. فقال أبو العباس:
وكيف ذلك؟ قال: لا والله ما يعبأ بنا، ولا يصنع إلا ما يريد. فقال له أبو العباس:
اسكت واكتمها.
قتال بن هبيرة وأخذه قال: وذكروا أن أبا العباس وجه أبا جعفر إلى مدينة واسط، فقدم على الحسين ابن قحطبة وهو على الناس، وكتب أبو العباس إلى الحسين بن قحطبة: إن العسكر عسكرك، والقواد قوادك، فإن أحببت أن يكون أخي حاضرا، فأحسن موازرته (1) ومكانفته. وكتب إلى أبي نصر مالك بن الهيثم بمثل ذلك، وذكروا أن ابن هبيرة كان قد نصب الجسور بين المدينتين، فقالت اليمانية الذين مع ابن هبيرة: لا والله لا نقاتل على دعوة بني أمية أبدا، لسوء رأيهم فينا، وبغضهم لنا، وقالت القيسية: لا والله لا نقاتل حتى يقاتل على اليمانية، فلم يكن يقاتل مع ابن هبيرة إلا صعاليك الناس، وأهل العطاء. وكان كثيرا ما يتمثل ويقول: