مروان: قد والله سقيتني من دماء هؤلاء القوم، إلا ما كان من قريش، فإنك أثخنتها وأفنيتها.
فقال مسلم: والله لا أعلم عند أحدا غشا لأمير المؤمنين إلا سألت الله أن يسقيني دمه. فقال:
إن عند أمير المؤمنين عفوا لهم، وحلما عنهم ليس عندك. وجعل مروان يعتذر إلى قريش، ويقول : والله لقد ساءني قتل من قتل منكم. فقالت له قريش: أنت والله الذي قتلتنا، ما عذرك الله ولا الناس، لقد خرجت من عندنا، وحلفت لنا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لتردنهم عنا، فإن لم تستطع لتمضين ولا ترجع معهم، فرجعت، ودللت على العورة، وأعنت على الهلكة، فالله لك بالجزاء. قال: فبلغ عدة قتلى الحرة يومئذ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس، ألفا وسبع مئة، وسائرهم من الناس عشرة آلاف، سوى النساء والصبيان.
قال أبو معشر: دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها، فقال لها. هل من مال؟ قالت: لا والله ما تركوا لي شيئا. فقال: والله لتخرجن إلي شيئا أو لأقتلنك وصبيك هذا. فقالت له: ويحك إنه ولد ابن أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معه يوم بيعة الشجرة، على أن لا أزني، ولا أسرق، ولا أقتل ولدي، ولا آتي ببهتان أفتريه، فما أتيت شيئا، فاتق الله. ثم قالت لابنها: يا بني، والله لو كان عندي شئ لافتديتك به. قال: فأخذ برجل الصبي، والثدي في فمه، فجذبه من حجرها، فضرب به الحائط فانتثر دماغه في الأرض، قال: فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه، وصار مثلا.
قال أبو معشر: قال لي رجل: بينا أنا في بعض أسواق الشام، إذا برجل ضخم، فقال لي:
ممن أنت؟ قلت: رجل من أهل المدينة، قال: من أهل الخبيثة؟ قال: فقلت له سبحان الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها طيبة وسميتها خبيثة! قال: فبكى، فقلت له: ما يبكيك، قال:
العجب والله، كنت أغزو الصائفة كل عام زمن معاوية، فأتيت في المنام فقيل لي: إنك تغزو المدينة، وتقتل فيها رجلا يقال له: محمد بن عمرو بن حزم، وتكون بقتله من أهل النار.
قال: فقلت: ما هذا من شأن المدينة، ولا يقع في نفس مدينة الرسول. قال: فقلت: لعلها بعض مدائن الروم، فكنت أغزو ولا أسل فيها سيفا، حتى مات معاوية، وولى يزيد، فضرب قرعة بعث المدينة، فأصابتني القرعة. قال: فقلت: هي هذه والله، فأردت أن يأخذوا مني بديلا، فأبوا، فقلت في نفسي: أما إذا أبوا، فإني لا أسل فيها سيفا. قال: فحضرت الحرة، فخرج أصحابي يقاتلون، وجلست في فسطاطي، فلما فرغوا من القتال، جاءنا أصحابنا،