نسمع عنك، فبحظك أخذت في تركك قتالنا، وكفك عنا، ولزوم بيتك، ولكن أخرج إلينا ما عندك. قال: والله ما عندي مال، فنتفوا لحيته، وضربوه ضربات، ثم أخذوا كل ما وجدوه في بيته حتى الصواع (1)، وحتى زوج حمام كان له.
وكان جابر بن عبد الله يومئذ قد ذهب بصره، فجعل يمشي في بعض أزقة المدينة، وهو يقول: تعس من أخاف الله ورسوله. فقال له رجل: ومن أخاف الله ورسوله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف المدينة فقد أخاف ما بين جنبي، فحمل عليه رجل بالسيف ليقتله، فترامى عليه مروان فأجاره، وأمر أن يدخله منزله، ويغلق عليه بابه، وكان سعيد بن المسيب رحمه الله لم يبرح من المسجد، ولم يكن يخرج إلا من الليل إلى الليل، وكان يسمع إذا جاء وقت الأذان أذانا يخرج من قبل القبر الشريف، حتى آمن الناس، فكان سعيد يقول: ما رأيت خيرا من الجماعة، ثم أمر مسلم بالأسارى، فغلوا بالحديد، ثم دعا إلى بيعة يزيد، فكان أول من بايع مروان بن الحكم، ثم أكابر بني أمية، حتى أتى على آخرهم.
ثم دعا بني أسد، وكان عليهم حنقا، فقال: أتبايعون لعبد الله يزيد بن أمير المؤمنين ولمن استخلف عليكم بعده، على أن أموالكم ودماءكم وأنفسكم خول له، يقضي فيها ما شاء؟ قال يزيد بن عبد الله بن زمعة: إنما نحن نفر من المسلمين لنا ما لهم وعلينا ما عليهم. فقال مسلم:
والله لا أقيلك، ولا تشرب البارد بعدها أبدا، فأمر به، فضربت عنقه. ثم أتى بمعقل بن سنان، وكان معقل حاملا لواء قومه يوم الفتح مع رسول الله، فلما دخل عليه قال له: أعطشت يا معقل؟ قال: نعم أصلح الله الأمير، قال: حيسوا له شربة من سويق اللوز الذي زودنا به أمير المؤمنين، فلما شربها قال له: رويت؟ قال: نعم. فقال مسلم: أما والله لا تبولها من مثانتك أبدا، فقدم، فضربت عنقه، ثم قال: ما كنت لأدعك بعد كلام سمعته منك تطعن به على إمامك، وكان معقل قد طعن بعض الطعن على يزيد قبل ذلك، فيما بينه وبين مسلم، على الاستراحة بذلك، ثم أمر بمحمد بن أبي الجهم وجماعة من وجوه قريش والأنصار، وخيار الناس والصحابة والتابعين، ثم أتى بعبد الله بن الحارث مغلولا. فقال مسلم:
أنت القائل: اقتلوا سبعة عشر رجلا من بني أمية، لا تروا شرا أبدا؟ قال:
قد قلتها، ولكن لا يسمع من أسير أمير، أرسل يدي، وقد برئت مني الذمة، إنما نزلت بعهد الله وميثاقه، وأيم الله لو أطاعوني وقبلوا مني ما أشرت به عليهم ما تحكمت فتهم أنت أبدا. فقال له مسلم: والله لأقدمنك إلى نار تلظى، ثم أمر به فضربت عنقه، فقال