ووجهت عبد الله بن مسعدة إلى ناحية بقيع الغرقد (1)، وكنت ومن معي من قواد أمير المؤمنين ورجاله في وجوه بني حارثة، فأدخلنا الخيل عليهم حين ارتفع النهار، من ناحية عبد الأشهل بطريق فتحه لنا رجل منهم بما دعاه إليه مروان بن الحكم إلى صنيع أمير المؤمنين، وما تضمن له عنه من قرب المكان، وجزيل العطاء، وإيجاب الحق، وقضاء الذمام، وقد بعثت به إلى أمير المؤمنين، وأرجو من الله عز وجل، أن يلهم خليفته وعبده عرفان ما أولى من الصنع وأسدى من الفضل، وكان أكرم الله أمير المؤمنين من محمود مقام مروان بن الحكم، وجميل مشهده، وسديد بأسه، وعظيم نكايته لعدو أمير المؤمنين، ما لا إخال ذلك ضائعا عند إمام المسلمين وخليفة رب العالمين إن شاء الله، وسلم الله رجال أمير المؤمنين، فلم يصب منهم أحد بمكروه، ولم يقم لهم عدوهم من ساعات نهارهم أربع ساعات، فما صليت الظهر أصلح الله أمير المؤمنين إلا في مسجدهم، بعد القتل الذريع، والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف وقتلنا من أشرف لنا منهم، وأتبعنا مدبرهم وأجهزنا على جريحهم، وانتهبناهم ثلاثا كما قال أمير المؤمنين، أعز الله نصره، وجعلت دور بني الشهيد المظلوم عثمان بن عفان، في حرز وأمان، فالحمد لله الذي شفى صدري من قتل أهل الخلاف القديم، والنفاق العظيم، فطالما عتوا، وقديما ما طغوا.
وكتبت إلى أمير المؤمنين، وأنا في منزل سعيد بن العاص مدنفا مريضا، وما أراني إلا لما بي، فما كنت أبالي، متى مت بعد يومي هذا، وكتب لهلال المحرم سنة ثلاث وستين. فلما جاءه الكتاب، أرسل إلى عبد الله بن جعفر وإلى ابنه معاوية بن يزيد، فأقرأهما الكتاب، فاسترجع عبد الله بن جعفر وأكثر، وبكى معاوية ين يزيد، حتى كادت نفسه تخرج، وطال بكاؤه، فقال يزيد لعبد الله بن جعفر: ألم أجبك إلى ما طلبت، وأسعفتك فيما سألت، فبذلت لهم العطاء وأجزلت لهم الإحسان، وأعطيت العهود والمواثيق على ذلك؟ فقال عبد الله بن جعفر: فمن هنالك استرجعت، وتأسفت عليهم، إذ اختاروا البلاء على العافية، والفاقة على النعمة، ورضوا بالحرمان دون العطاء، ثم قال يزيد لابنه معاوية: فما بكاؤك أنت يا بني؟ قال: أبكي على قتل من قتل من قريش، وإنما قتلنا بهم أنفسنا. فقال يزيد: هو ذاك، قتلت بهم نفسي وشفيتها قال: وسأل مسلم بن عقبة قبل أن يرتحل عن المدينة عن علي بن الحسين، أحاضر هو؟
فقيل له: نعم. فأتاه علي بن الحسين، ومعه ابناه، فرحب بهما، وسهل وقربهم، وقال: