نقول فيه إن أمره إلى الله، وقد أحدث أحداثا والله وليه فيما كان، فقام الناس، فأتوا عليا في داره، فقالوا: نبايعك، فمد يدك، لا بد من أمير، فأنت أحق بها، فقال: ليس ذلك إليكم، إنما هو لأهل الشورى وأهل بدر، فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة، فنجتمع وننظر في هذا الأمر فأبى أن يبايعهم، فانصرفوا عنه، وكلم بعضهم بعضا فقالوا: يمضى قتل عثمان في الآفاق والبلاد فيسمعون بقتله، ولا يسمعون أنه بويع لأحد بعده، فيثور كل رجل منهم في ناحية، فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد فارجعوا إلى علي، فلا تتركوه حتى يبايع، فيسير مع قتل عثمان بيعة علي، فيطمئن الناس ويسكنون فرجعوا إلى علي، وترددوا إلى الأشتر النخعي، فقال لعلي: أبسط يدك نبايعك، أو لتعصرن عينيك عليها ثالثة، ولم يزل به يكلمه، ويخوفه الفتنة، ويذكر له أنه ليس أحد يشبهه، فمد يده، فبايعه الأشتر ومن معه، ثم أتوا طلحة، فقالوا له: اخرج فبايع، قال: من؟ قالوا: عليا. قال: تجتمع الشورى وتنظر، فقالوا: اخرج فبايع، فامتنع عليهم. فجاءوا به يلببونه، فبايعه بلسانه ومنع يده، فقال أبو ثور، كنت فيمن حاصر عثمان فكنت آخذ سلاحي وأضعه، وعلي ينظر إلى لا يأمرني ولا ينهاني، فلما كانت البيعة له، خرجت في أثره، والناس حوله يبايعونه، فدخل حائطا من حيطان بني مازن، فألجئوه إلى نخلة، وحالوا بيني وبينه، فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراعه، تختلف أيديهم على يده ثم أقبل إلى المسجد الشريف، وكان أول من صعد المنبر طلحة فبايعه بيده، وكانت أصابعه شلاء، فتطير منها علي، فقال: ما أخلقها أن تنكث، ثم بايعه الزبير وسعد وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعا، ثم نزل فدعا الناس، وأمر مروان، فهرب منه، وطلب نفرا من بني أمية وابن أبي معيط فهربوا، وخرجت عائشة باكية تقول قتل عثمان رحمه الله، فقال لها عمار: بالأمس تحرضين عليه الناس، واليوم تبكينه، ثم جاء علي إلى امرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري، دخل عليه رجال لا أعرفهم إلا أن أرى وجوههم، وكان معهم محمد بن أبي بكر، فدعا علي محمدا، فسأله عما ذكرت امرأة عثمان، فقال محمد: صدقت، قد والله دخلت عليه، فذكر لي أبي، فقمت عنه، وأنا تائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته، ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكن هو أدخلهم.
قال: ثم خرج طلحة، فلقى عائشة، فقالت له: ما صنع الناس؟ قال: قتلوا عثمان. قالت:
ثم ما صنعوا؟ قال: بايعوا عليا، ثم أتوني فأكرهوني ولببوني حتى بايعت. قالت: وما لعلي يستولي على رقابنا، لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان، فرجعت. وكان الزبير خارجا لم يشهد قتل عثمان، وكان عمرو بن العاص بفلسطين يوم قتل عثمان، فطلع عليه راكب من الحجاز، فقال له: ما وراءك؟ قال تركت عثمان محصورا، قال عمرو: قد يضرط العير والمكواة في النار، (1)