عمرو، فقال: يا أبا موسى إن قال قائل: إن معاوية من الطلقاء، وأبوه رأس الأحزاب، لم يبايعه المهاجرون والأنصار فقد صدق، وإذا قال إن عليا آوى قتلة عثمان، وقتل أنصاره يوم الجمل، وبرز على أهل الشام بصفين فقد صدق، وفينا وفيكم بقية، وإن عادت الحرب ذهب ما بقي، فهل لك أن تخلعهما جميعا، وتجعل الأمر لعبد الله بن عمر، فقد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبسط في هذه الحرب يدا ولا لسانا، وقد علمت من هو مع فضله وزهده وورعه وعلمه، فقال أبو موسى: جزاك الله بنصيحتك خيرا، وكان أبو موسى لا يعدل بعبد الله بن عمر أحدا، لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكانه من أبيه، لفضل عبد الله في نفسه، وافترقا على هذا الأمر، واجتمع رأيهما على ذلك. ثم إن عمرا غدا على أبي موسى بالغد، وجماعة الشهود، فقال: يا أبا موسى، ناشدتك الله تعالى، من أحق بهذا الأمر؟ من أوفى، أو من غدر؟ قال أبو موسى: من أوفى. قال عمرو: يا أبا موسى:
نشدتك الله تعالى: ما تقول في عثمان؟ قال أبو موسى: قتل مظلوما. قال عمرو: فما الحكم فيمن قتل؟ قال أبو موسى: يقتل بكتاب الله تعالى. قال: فمن يقتله؟ قال: أولياء عثمان.
قال: فإن الله يقول في كتابه العزيز: " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ". قال:
فهل تعلم أن معاوية من أولياء عثمان؟ قال: نعم. قال عمرو للقوم. اشهدوا. قال أبو موسى للقوم: اشهدوا على ما يقول عمرو.
ثم قال أبو موسى لعمرو: قم يا عمرو، فقل وصرح بما اجتمع عليه رأيي ورأيك، وما اتفقنا عليه، فقال عمرو: سبحان الله! أقوم قبلك وقد قدمك الله قبلي في الإيمان والهجرة، وأنت وافد أهل اليمن إلى رسول الله، ووافد رسول الله إليهم، وبك هداهم الله، وعرفهم شرائع دينه، وسنة نبيه، وصاحب مغانم أبى بكر وعمر! ولكن قم أنت فقل، ثم أقوم فأقول. فقام أبو موسى، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن خير الناس للناس خيرهم لنفسه، وإني لا أهلك ديني بصلاح غيري، إن هذه الفتنة قد أكلت العرب، وإني رأيت وعمرا أن نخلع عليا ومعاوية، ونجعلها لعبد الله بن عمر، فإنه لم يبسط في هذه الحرب يدا ولا لسانا، ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، هذا أبو موسى شيخ المسلمين، وحكم أهل العراق ومن لا يبيع الدين بالدنيا، وقد خلع عليا وأنا أثبت معاوية. فقال أبو موسى: مالك؟ عليك لعنة الله! ما أنت إلا كمثل الكلب تلهث! فقال عمرو: لكنك مثل الحمار يحمل أسفارا: واختلط الناس، فقالوا: والله لو اجتمعنا على هذا ما حولتمانا عما نحن عليه، وما صلحكما بلازمنا، وإنا اليوم على ما كنا عليه أمس، ولقد كنا ننظر إلى هذا قبل أن يقع، وما أمات قولكما حقا، ولا أحيا باطلا. ثم تشاتم أبو موسى وعمرو، ثم انصرف عمرو إلى معاوية، ولحق