ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، فقال: افعل، فخرجت فسمعت حين دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة، فجلست أنظر، فضرب الله على اذني، فما أيقظني الا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر، ثم ما هممت بعدها بسوء حتى أكرمني الله برسالته " (1).
هذا من مصاديق التسديد في السيرة، وأما في الفكرة: فمنه ما رواه الصدوق في " اكمال الدين " بسنده عن العباس بن عبد المطلب عن أبي طالب في خبر بحيرا الراهب أ نه قال للنبي (صلى الله عليه وآله): " يا غلام! أسألك بحق اللات والعزى... فزعموا أن رسول الله قال له: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما " (2).
أما قوله في الخبر السابق: " لكمني لاكم ثم قال: شد عليك إزارك، وما أراه " فنفهم منه أنه - بناء على ذلك وعلى ما ورد في كثير من الأخبار - كان محدثا، من ذلك: ما رواه الصفار (ت 290 ه) في كتابه " بصائر الدرجات " بسنده عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): من الرسول؟ من النبي؟ من المحدث؟ فقال: " الرسول: الذي يأتيه جبرئيل فيكلمه قبلا كما يرى أحدكم صاحبه الذي يكلمه، فهذا الرسول " إلى قوله: " وأما المحدث، فهو: الذي يسمع كلام الملك فيحدثه، من غير أن يراه، ومن غير أن يأتيه في النوم " (3).