رأى رسول الله ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة وقال: ان بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا. وأراد به النجاشي، واسمه أصحمة - وهو بالحبشة: عطية - وإنما النجاشي اسم الملك كقولهم: كسرى وقيصر. فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة...
فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار. وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله. وهذه هي الهجرة الأولى (1) فالسورة نزلت في الخامسة. وبما أن هجرة المسلمين إنما هي من جراء تعذيب قريش للمسلمين، لذلك نبدأ هنا بذكر أخبار عن ذلك.
ظلم المشركين للمستضعفين من المسلمين:
قال ابن إسحاق: ثم إن المشركين عدوا على من أسلم واتبع رسول الله من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين من استضعفوه منهم، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم، بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، ليفتنوهم عن دينهم، فمنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم، ومنهم من يفتن من شدة البلاء الذي يصيبه...
وكان أبو جهل الفاسق في رجال من قريش يغرون بالمسلمين، وكان إذا سمع بالرجل أسلم وله شرف ومنعة، أنبه وأخزاه وقال له: تركت دين