بصرى الشام (1) إذا نحن بصومعة، فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الأغصان ليس لها حمل، كان الركبان ينزلون تحتها، فلما رأى بحيرا الراهب (2) ذلك اتخذ طعاما ثم جاء به فأكل وأكلنا معه.
ثم قال: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى الا أخبرتنيها. فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذكر اللات والعزى وقال: لا تسألني بهما، فوالله ما أبغضت شيئا كبغضهما، وإنهما صنمان من حجارة لقومي. فقال بحيرا: هذه واحدة. ثم قال: فبالله الا ما أخبرتني. فقال:
سل عما بدا لك، فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ.
فقال: أسألك عن نومك وهيئتك وأمورك ويقظتك. فأخبره عن نومه وهيئته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته التي عنده.
فانكب عليه بحيرا فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول فيما يقول:
أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية.
ثم التفت إلي وقال: ما يكون هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه؟
قال أبو طالب: فقلت: هو ابني، فقال: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا ولا أمه. فقال: قلت: انه ابن أخي وقد مات أبوه وأمه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ست سنين. فقال: صدقت، هكذا هو، ولكن أرى لك ان ترده إلى بلده عن هذا الوجه، فلئن رأوا هذا الغلام وعرفوا منه الذي عرفت أنا لابتغوه شرا، وأكثر ذلك هؤلاء اليهود!