فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه بني عبد مناف، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا بمفازة، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم.
فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف منه على نفسه وأصحابه قال لهم: اني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه، حتى يكون آخركم واحدا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا.
قالوا: نعم، وقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا.
ثم قال عبد المطلب لأصحابه: ارتحلوا فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد، وتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم. ثم دعا سائر قريش فقال: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا. فجاؤوا فشربوا واستقوا، ثم قالوا: قد - والله - قضى لك علينا يا عبد المطلب، فلا نخاصمك في زمزم أبدا، فإن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدا. فرجعوا (1).