وكان الفرس الساسانيون يحكمون العراق، ولكن القرى والمزارع العراقية الساسانية كانت تتعرض من حين لآخر لغارات القبائل العربية البدوية من ناحية بادية الصحراء الحجازية، فكانوا بحاجة إلى عرب يملكونهم على ثغور العراق فيكفونهم غارات البدو، فملكوا هؤلاء اللخميين.
وبنى هؤلاء اللخميون في هذه المنطقة عددا من المدن أو القرى والقلاع أهمها الحيرة قرب الكوفة على حافة بادية الصحراء الحجازية، ولفظ الحيرة تحرف عن حرتا السريانية وتعني القبة والحرم، أو المعسكر والمخيم (1) وساعد جو هذا البلد ومناخه وماؤه على عمرانه والحضارة فيه، ومن مظاهر الحضارة فيه أنهم تعرفوا على الخط والكتابة به، ومنهم انتقل إلى عرب الحجاز (2).
ومن تاريخهم المنقول نكتفي نحن هنا بما ذكره اليعقوبي والمسعودي ونعلق عليه بما يلزم:
نقل اليعقوبي عن أهل العلم بالرواية قالوا: لما تفرق أهل اليمن، قدم مالك بن فهم بن غنم بن دوس، حتى نزل أرض العراق في أيام ملوك الطوائف (الفرس) فأصاب قوما من العرب من معد وغيرهم بالجزيرة (الموصل) فملكوه عليهم عشرين سنة.
وتكهن جذيمة الأبرش (التنوخي)، وعمل صنمين سماهما (الضيزنان) واستهوى بهما أحياء من العرب، وصار بهم إلى العراق، فسار من ارض البصرة إلى ارض الجزيرة (الموصل) حتى صار إلى ناحية على شط الفرات