انتهرني ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني أحد من أهله قال: دعوه فلو قدر شئ كان. وقد تقدم حديث أنس هذا، ولكن أوردته لما في حديث ابن حبان هذا من الزيادة المفيدة.
وله أيضا من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف قال: حدثني أبي عن جدي قال: قال عبد الله بن سلام: إن الله عز وجل أراد هدي زيد بن سعنة (1)، قال: زيد: ما من علامات النبوة شئ إلا قد عرفته في وجه محمد سوى اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فكنت أنطلق إليه لأخالطه وأعرف حلمه، فخرج يوما ومعه علي ابن أبي طالب، فجاءه رجل كالبدوي فقال: يا رسول الله، إن قرية بني فلان أسلموا، وحدثتهم أنهم إن أسلموا أتتهم أرزاقهم رغدا، وقد أصابتهم سنة وشدة، وإني مشفق عليهم أن يخرجوا من الإسلام، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشئ يعينهم، قال زيد بن سعنة، فقلت، أنا أبتاع منك بكذا وكذا وسقا، فأعطيته ثمانين دينارا فدفعها إلى الرجل وقال: أعجل عليهم بها فأعنهم، فلما كان قبل المحل بيوم أو يومين أو ثلاث، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة في نفر من أصحابه، فجبذت رداءه جبذة شديدة حتى سقط عاتقه، ثم أقبلت بوجه جهم غليظ فقلت:
ألا تقضيني يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب لمطل، فارتعدت فرائص عمر بن الخطاب كالفلك المستدير ثم أومى ببصره إلي وقال، أي عدو الله! أتقول هذا لرسول الله وتصنع به ما أرى وتقول ما أسمع؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أخاف فوته لسبقني رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في تؤدة وسكون، ثم تبسم وقال: لأنا أحوج إلى غير هذا: إن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه، اذهب يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذا؟ قال أمرني رسول الله أن أزيدك وكان ما دعتك: فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت الحبر، قال: فما دعاك إلى أن تفعل برسول الله ما فعلت وتقول له ما قلت؟ قلت: يا عمر، إنه لم يبق من علامات النبوة شئ إلا وقد عرفته في وجه رسول الله حين نظرت إليه إلا اثنتان لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد .