وتهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه وهو بمكة فحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت أما بعد فإني أتيتك يا ابن عم لحاجة أريد ذكرها لك نصيحة فإن كنت ترى أنك تستنصحني وإلا كففت عما أريد أن أقول فقال قل فوالله ما أظنك بسيئ الرأي ولا هوى القبيح من الامر والفعل قال قلت له إنه قد بلغني أنك تريد المسير إلى العراق وإني مشفق عليك من مسيرك إنك تأتى بلدا فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال وإنما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ولا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه فقال الحسين جزاك الله خيرا يا ابن عم فقد والله علمت أنك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ومهما يقض من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح قال فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني هل لقيت حسينا فقلت له نعم قال فما قال لك وما قلت له قال فقلت له قلت كذا وكذا وقال كذا وكذا فقال نصحته ورب المروة الشهباء أما ورب البنية إن الرأي لما رأيته قبله أو تركه ثم قال:
رب مستنصح يغش ويردى * وظنين بالغيب يلفي نصيحا (قال أبو مخنف) وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عتبة بن سمعان أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس فقال يا ابن عم إنك قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبين لي ما أنت صانع قال إني قد أجمعت المسير في أحد يومى هذين إن شاء الله تعالى فقال له ابن عباس فإني أعيذك بالله من ذلك أخبرني رحمك الله أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبى بلادهم فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك أن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وأن يستنفروا إليك فيكونوا أشد الناس عليك فقال له حسين وإني أستخير الله وأنظر ما يكون قال فخرج ابن عباس من عنده وأتاه ابن الزبير فحدثه ساعة ثم قال ما أدرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا