رجل في نفسك غدر ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن فارجع بنا فأبى وأتى سعدا الخبر برحيلهم فبعث قيس بن هبيرة الأسدي وأمره على مائة وعليهم إن هو لقيهم فانتهى إليهم وقد افترقوا فلما رآه عمرو قال تجلدوا له وأروه أنهم يريدون الغارة فردهم ووجد طليحة قد فارقهم فرجع بهم فأتوا سعدا فأخبروه بقرب القوم ومضى طليحة وعارض المياه على الطفوف حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يجوسه وينظر ويتوسم فلما أدبر الليل خرج وقد أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر فإذا فرس له لم ير في خيل القوم مثله وفسطاط أبيض لم ير مثله فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرك فرسه فخرج يعدو به ونذر به الناس والرجل فتنادوا وركبوا الصعبة والذلول وعجل بعضهم أن يسرج فخرجوا في طلبه فأصبح وقد لحقه فارس من الجند فلما غشيه ويوأ له الريح ليطعنه عدل طليحة فرسه فندر الفارسي بين يديه فكر عليه طليحة فقصم ظهره بالرمح ثم لحق به آخر ففعل به مثل ذلك ثم لحق به آخر وقد رأى مصرع صاحبيه وهما ابنا عمه فازداد حنقا فلما لحق بطليحة وبوأ له الرمح عدل طليحة فرسه فندر الفارسي أمامه وكر عليه طليحة ودعاه إلى الأسئار فعرف الفارسي أنه قاتله فاستأسر وأمره طليحة أن يركض بين يديه ففعل ولحق الناس فرأوا فارسي الجند قد قتلا وقد أسر الثالث وقد شارف طليحة عسكرهم فأحجموا عنه ونكصوا وأقبل طليحة حتى غشى العسكر وهم على تعبية فأفزع الناس وجوزوه إلى سعد فلما انتهى إليه قال ويحك ما وراءك قال دخلت عساكرهم وجستها منذ الليلة وقد أخذت أفضلهم توسما وما أدري أصبت أم أخطأت وها هو ذا فاستخبره فأقيم الترجمان بين سعد وبين الفارسي فقال له الفارسي أتؤمنني على دمي إن صدقتك قال نعم الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب قال أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلي باشرت الحروب وغشيتها وسمعت بالابطال ولقيتها منذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى ولم أر ولم أسمع بمثل هذا أن رجلا قطع عسكرين لا يجترئ عليهما الابطال إلا عسكر فيه سبعون ألفا يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة إلى ما هو دون فلم يرض أن يخرج كما دخل حتى سلب فارس
(٢٩)