فقد اختلف الأصوليون فيه:
فذهب الأشعري وأهل الظاهر، وجماعة من الفقهاء إلى أن الواضع هو الله تعالى، ووضعه متلقي لنا من جهة التوقيف الإلهي إما بالوحي، أو بأن يخلق الله الأصوات والحروف، ويسمعها لواحد أو لجماعة، ويخلق له أو لهم العلم الضروري بأنها قصدت للدلالة على المعاني، محتجين على ذلك بآيات، منها قوله تعالى: * (وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة، فقال:
أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا: سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا) * (2) البقرة: 31) دل على أن آدم والملائكة لا يعلمون إلا بتعليم الله تعالى، ومنها قوله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (6) الانعام: 38) وقوله تعالى: * (تبيانا لكل شئ) * (16) النحل: 89) وقوله تعالى: * (اقرأ باسم ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم) * (96) العلق: 3 - 5) واللغات داخلة في هذه المعلومات، وقوله تعالى: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) * (53) النجم: 23) ذمهم على تسمية بعض الأشياء من غير توقيف، فدل على أن ما عداها توقيف. وقوله تعالى: * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم) * (30) الروم: 22) والمراد به اللغات لا نفس اختلاف هيئات الجوارح من الألسنة لان اختلاف اللغات أبلغ في مقصود الآية، فكان أولى بالحمل عليه.
وذهبت البهشمية وجماعة من المتكلمين إلى أن ذلك من وضع أرباب اللغات واصطلاحهم، وأن واحدا أو جماعة انبعثت داعيته، أو دواعيهم، إلى وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها. ثم حصل تعريف الباقين بالإشارة والتكرار، كما يفعل الوالدان بالولد الرضيع، وكما يعرف الأخرس ما في ضميره بالإشارة والتكرار مرة بعد أخرى، محتجين على ذلك بقوله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (14) إبراهيم: 4 وهذا دليل على تقدم اللغة على البعثة والتوقيف.
وذهب الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني إلى أن القدر الذي يدعو به الانسان غيره إلى التواضع، بالتوقيف، وإلا فلو كان بالاصطلاح، فالاصطلاح عليه