وأيضا ما روي عن عمر أنه قال لشاعر قال: كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا لو قدمت الاسلام على الشيب لأجزتك وكان عمر من أهل اللسان، وذلك يدل على الترتيب.
وأيضا ما روي أن الصحابة أنكروا على ابن عباس، وقالوا له: لم تأمرنا بالعمرة قبل الحج، وقد قال الله: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (2) البقرة: 196) وكانوا أيضا من أهل اللسان وذلك يدل على الترتيب ولولا أن الواو للترتيب، لما كان كذلك.
وأما الحكم، فإنه لو قال الزوج لزوجته قبل الدخول بها: أنت طالق وطالق وطالق وقع بها طلقة واحدة، ولو كانت الواو للجمع المطلق لوقعت الثلاث، كما لو قال لها: أنت طالق ثلاثا.
وأما المعنى، فهو أن الترتيب في اللفظ يستدعي سببا، والترتيب في الوجود صالح له، فوجب الحمل عليه.
أجاب النافون عن النقل: أما الآية، فلا نسلم أن الترتيب مستفاد منها، بل من دليل آخر، وهو أن النبي عليه السلام صلى ورتب الركوع قبل السجود، وقال:
صلوا كما رأيتموني أصلي ولو كانت الواو للترتيب، لما احتاج النبي عليه السلام إلى هذا البيان.
وأما قوله عليه السلام: ابدأوا بما بدأ الله به فهو دليل عليهم، حيث سأله الصحابة عن ذلك مع أنهم من أهل اللسان، ولو كانت الواو للترتيب لما احتاجوا إلى ذلك السؤال.
ولقائل أن يقول: ولو كانت للجمع المطلق، لما احتاجوا إلى السؤال، فيتعارضان، ويبقى قوله عليه السلام: ابدأوا بما بدأ الله به وهو دليل الترتيب.
وأما قوله عليه السلام: قل ومن عصى الله ورسوله فقد غوى إنما قصد به إفراد ذكر الله تعالى أولا مبالغة في تعظيمه، لا أن الواو للترتيب، ويدل عليه أن معصية الله ورسوله لا انفكاك لإحداهما عن الأخرى، حتى يتصور فيهما الترتيب.