فإن قيل هذه كلها أخبار آحاد تبلغ مبلغ التواتر، ولا تفيد اليقين. وإن سلمنا التواتر، ولكن يحتمل أنه أراد به الخطأ والضلالة عن الأمة عصمة جميعهم عن الكفر، لا بتأويل ولا شبهة.
ويحتمل أنه أراد بهم عصمتهم عن الخطأ في الشهادة في الآخرة أو فيما يوافق النص المتواتر أو دليل العقل، دون ما يكون بالاجتهاد.
سلمنا دلالة هذه الأخبار على عصمتهم عن كل خطأ وضلال، لكن يحتمل أنه أراد بالأمة كل من آمن به إلى يوم القيامة، وأهل كل عصر عصر ليسوا كل الأمة، فلا يلزم امتناع الخطأ والضلال عليهم.
سلمنا انتفاء الخطأ والضلال عن الاجماع في كل واحد من الاعصار، ولكن لم قلتم إنه يكون حجة على المجتهدين وأنه لا تجوز مخالفته، مع أن كل مجتهد في الفرعيات مصيب على ما يأتي تحقيقه. ولا يجب على أحد المصيبين اتباع المصيب الآخر.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون الاجماع حجة، ولكنه معارض بما يدل على أنه ليس بحجة ودليله ما سبق من الآيات والاخبار والمعقول في الآية الأولى.
والجواب: عن السؤال الأول من وجهين:
الأول: أن كل واحد من هذه الأخبار، وإن كان خبر واحد يجوز تطرق الكذب إليه، إلا أن كل عاقل يجد من نفسه العلم الضروري من جملتها، قصد رسول الله عليه السلام تعظيم هذه الأمة وعصمتها عن الخطأ، كما علم بالضرورة سخاء حاتم، وشجاعة علي، وفقه الشافعي ومالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم، وميل رسول الله إلى عائشة دون باقي نسائه بالاخبار التي آحادها آحاد، غير أنها نازلة منزلة التواتر.