كما هو المشاهد في الصبي كثيرا حين ما يخاف أو يضربه شخص، نادى يا أبا يا اما مع أنه يعلم بأن أبيه أو أمه غير حاضر عنده فغرضه من هذا الخطاب اظهار العجز والتظلم.
فالنتيجة ان الخطاب الحقيقي الذي يكون الداعي إليه، قصد التفهيم لا يمكن توجيهه إلى الغائب بل إلى الحاضر إذا كان غلفلا فضلا عن المعدوم. واما الخطاب الانشائي الذي يكون الداعي إليه اظهار العجز أو الشوق أو الولاء أو ما شاكل ذلك إلى المعدوم فضلا عن الغائب بمكان من الامكان.
وهنا شق ثالث: للخطاب وهو أن يقصد التكلم تفهيم المخاطب حين ما وصل إليه الخطاب لا من حين صدوره كما إذا افترضنا ان المخاطب نائم فيكتب المتكلم ويخاطبه بقوله (إذا قمت من النوم أفعل الفعل الفلاني) أو خاطب ولده بقوله (يا ولدي إذا كبرت فافعل كذا وكذا) أو سجل خطابه في شريط ثم يرسله إلى مكان أو بلد آخر ليسمع الناس خطابه في ذلك المكان أو البلد فيكون قصده تفهيمهم من حين وصول الخطاب إليهم وسماعهم إياه، لا من حين الصدور أو خطاب شخصا في بلد آخر بالتلفون حيث إن خطابه لم يصل إليه من حين صدوره منه بل لا محالة وصوله إليه كان بعده بزمان وإن كان ذلك الزمان قليلا جدا.
ومن الطبيعي أنه إذا جاز الفصل بين صدور الخطاب من المتكلم وبين قصده تفهيم المخاطب بزمان لم يفرق بين الزمان القليل والكثير فإذا جاز في القليل جاز في الكثير أيضا.
وعليه فلا مانع من أن يكون المقصود بالتفهيم من الخطابات الواردة في الكتاب والسنة جميع البشر إلى يوم القيامة يعني كل من وصلت إليه تلك الخطابات فهو مقصود به كما هو كذلك، وكيف ما كان فلا اشكال