والآخر: أن موضوع القضية ما حجب عن العباد، فتختص بما كان غير معلوم لهم جميعا فلا يشمل التكاليف التي يشك فيها بعض العباد دون بعض.
وقد يجاب على ذلك باستظهار الانحلالية من الحديث بمعنى أن كل ما حجب عن عبد فهو موضوع عنه، فالعباد لوحظوا بنحو العموم الاستغراقي لا العموم المجموعي.
ومنها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال، حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) وتقريب الاستدلال أنها تجعل الحلية مع إفتراض وجود حرام وحلال واقعي، وتضع لهذه الحلية غاية، وهي تمييز الحرام. فهذه الحلية ظاهرية إذن وهي تعبير آخر عن الترخيص في ترك التحفظ والاحتياط.
ولكن ذهب جماعة من المحققين إلى أن هذه الرواية مختصة بالشبهات الموضوعية، وذلك لقرينتين:
الأولى: أن ظاهر قوله (كل شئ فيه حلال وحرام) افتراض طبيعة منقسمة فعلا إلى افراد محللة وافراد محرمة، وأن هذا الانقسام هو السبب في الشك في حرمة هذا الفرد أو ذاك وهذا إنما يصدق في الشبهة الموضوعية لا في مثل الشك في حرمة شرب التتن مثلا وأمثاله من الشبهات الحكمية، فإن الشك فيها لا ينشأ من تنوع أفراد الطبيعة، بل من عدم وصول النص الشرعي على التحريم.
الثانية: أن مفاد الحديث إذا حمل على الشبهة الحكمية كانت كلمة (بعينه) تأكيدا صرفا، لان العلم بالحرام فيها مساوق للعلم بالحرام بعينه عادة. وما إذا حمل على الشبهة الموضوعية كان للكلمة المذكورة فائدة ملحوظة لاجل حصر الغاية للحلية بالعلم التفصيلي دون العلم الاجمالي الذي يغلب تواجده في الشبهات الموضوعية، إذ من الذي لا يعلم عادة بوجود جبن