اشتراط التكليف بالقدرة بمعنى آخر مر بنا أن التكليف مشروط بالقدرة، وكنا نريد بها القدرة التكوينية، وهذا يعني أن التكليف لا يشمل العاجز. وكذلك لا يشمل أيضا من كان قادرا على الامتثال، ولكنه مشغول فعلا بامتثال واجب آخر مضاد لا يقل عن الأول أهمية، فإذا وجب إنقاذ غريق يعذر المكلف في ترك إنقاذه إذا كان عاجزا تكوينا، كما يعذر إذا كان قادرا، ولكنه اشتغل بإنقاذ غريق آخر مماثل على نحو لم يبق بالامكان إنقاذ الغريق الأول معه. وهذا يعني أن كل تكليف مشروط بعدم الاشتغال بامتثال مضاد لا يقل عنه أهمية، وهذا القيد دخيل في التكليف بحكم العقل، ولو لم يصرح به المولى في خطابه، كما هو الحال في القدرة التكوينية. ولنطلق على القدرة التكوينية اسم القدرة بالمعنى الأخص، وعلى ما يشمل هذا القيد الجديد اسم القدرة بالمعنى الأعم.
والبرهان على هذا القيد الجديد: أن المولى إذا أمر بواجب، وجعل أمره مطلقا حتى لحالة الاشتغال بامتثال مضاد لا يقل عنه أهمية، فإن أراد بذلك أن يجمع بين الامتثالين، فهو غير معقول لأنه غير مقدور للمكلف، وإن أراد بذلك ان يصرف المكلف عن ذلك الامتثال المضاد فهذا بلا موجب يعد افتراض إنهما متساويان في الأهمية، فلا بد إذن من أخذ القيد المذكور.
ومن هنا يعرف أن ثبوت أمرين بالضدين مستحيل إذا كان كل من الامرين مطلقا لحالة الاشتغال بامتثال الامر الآخر أيضا، وأما إذا كان كل