العناصر المشتركة لعملية الاستنباط وحددها في علم الأصول لا يكتفي بعد ذلك بتجميع أعمى للعناصر الخاصة من كتب الأحاديث والروايات مثلا بل يبقى عليه أن يمارس في علم الفقه تطبيق تلك العناصر المشتركة ونظرياتها العامة على العناصر الخاصة، والتطبيق مهمة فكرية بطبيعتها تحتاج إلى درس وتمحيض، ولا يغني الجهد العلمي المبذول أصوليا عن بذل جهد جديد في التطبيق، فلنفرض مثلا أن المجتهد آمن في علم الأصول بحجية الظهور العرفي فهل يكفيه أن يضع إصبعه على رواية علي بن مهزيار التي حددت مجالات الخمس مثلا يضيفها إلى العنصر المشترك ويستنبط من ذلك عدم وجوب الخمس في ميراث الأب؟ أو ليس المجتهد بحاجة إلى تدقيق مدلول النص في الرواية لمعرفة نوع مدلوله في العرف العام ودراسة كل ما يرتبط بتحديد ظهوره العرفي من قرائن وإمارات داخل إطار النص أو خارجه لكي يتمكن بأمانة من تطبيق العنصر المشترك القائل بحجية الظهور العرفي؟ وفي هذا الضوء نعرف أن البحث الفقهي عن العناصر الخاصة في عملية الاستنباط ليس مجرد عملية تجميع، بل هو مجال التطبيق للنظريات الأصولية، وتطبيق النظريات العامة له دائما موهبته الخاصة ودقته ومجرد الدقة في النظريات العامة لا يغني عن الدقة في تطبيقها، ألا ترون أن من يدرس بعمق النظريات العامة في الطب يحتاج في مجال تطبيقها على حالة مرضية إلى دقة وانتباه كامل وتفكير في تطبيق تلك النظريات على المريض الذي بين يديه.
التفاعل بين الفكر الأصولي والفكر الفقهي عرفنا أن علم الأصول يقوم بدور المنطق بالنسبة إلى علم الفقه والعلاقة بينهما علاقة النظرية والتطبيق، وهذا الترابط الوثيق بينهما يفسر لنا التفاعل المتبادل بين الذهنية الأصولية على صعيد النظريات من ناحية وبين الذهنية الفقهية على صعيد التطبيق من ناحية أخرى، لان توسع بحوث التطبيق يدفع