أريد بصحة الاستعمال حسنة فواضح أن كل لفظ له صلاحية الدلالة على معنى يحسن استعماله فيه وقصد تفهيمه به، واللفظ له هذه الصلاحية بالنسبة إلى المعنى المجازي كما عرفت فيصح استعماله فيه، وان أريد بصحة الاستعمال انتسابه إلى اللغة التي يريد المتكلم التكلم بها فيكفي في ذلك أن يكون الاستعمال مبنيا على صلاحية في اللفظ للدلالة على المعنى ناشئة من أوضاع تلك اللغة.
علامات الحقيقة والمجاز:
ذكر المشهور عدة علامات لتمييز المعنى الحقيقي عن المجازي.
منها: التبادر من اللفظ أي انسباق المعنى إلى الذهن منه لان المعنى المجازي لا يتبادر من اللفظ إلا بضم القرينة، فإذا حصل التبادر بدون قرينة كشف عن كون المتبادر معنى حقيقيا. وقد يعترض على ذلك بأن تبادر المعنى الحقيقي من اللفظ يتوقف على علم الشخص بالوضع فإذا توقف علمه بالوضع على هذه العلامة لزم الدور. وأجيب على ذلك بأن التبادر يتوقف على العلم الارتكازي بالمعنى وهو العلم المترسخ في النفس الذي يلتئم مع الغفلة عنه فعلا والمطلوب من التبادر العلم الفعلي المتقوم بالالتفات فلا دور، كما أن افتراض كون التبادر عند العالم علامة عند الجاهل لا دور فيه أيضا.
والتحقيق أن الاعتراض بالدور لا محل له أساسا لأنه مبني على افتراض ان انتقال الذهن إلى المعنى من اللفظ فرع العلم بالوضع مع إنه فرع نفس الوضع أي وجود عملية القرن الأكيد بين تصور اللفظ وتصور المعنى في ذهن الشخص، فالطفل الرضيع الذي اقترنت عنده كلمة " ماما " برؤية أمه يكفي نفس هذا الاقتران الأكيد ليتصور أمه عندما يسمع كلمة " ماما " مع إنه ليس عالما بالوضع إذ لا يرعف معنى الوضع.
فالتبادر إذن يتوقف على وجود عملية القرن الأكيد بين التصورين في ذهن