يفترض هذا الوجوب معلوما، فيكون دليل الاستصحاب حاكما على دليل البراءة، لأنه ينفي موضوع البراءة.
3 - التعارض بين النوعين ونصل الآن إلى فرضية التعارض بين دليل محرز وأصل عملي كأصل البراءة أو الاستصحاب.
والحقيقة أن الدليل إذا كان قطعيا فالتعارض غير متصور عقلا بينه وبين الأصل، لان الدليل القطعي على الوجوب مثلا يؤدي إلى العلم بالحكم الشرعي ومع العلم بالحكم الشرعي لا مجال للاستناد إلى أي قاعدة عملية، لان القواعد العملية إنما تجري في ظرف الشك، إذ قد عرفنا سابقا أن أصل البراءة موضوعه كل ما لا يعلم، والاستصحاب موضوعه أن نشك في بقاء ما كنا على يقين منه، فإذا كان الدليل قطعيا لم يبق موضوع هذه الأصول والقواعد العملية.
وإنما يمكن إفتراض لون من التعارض من الدليل والأصل إذا لم يكن الدليل قطعيا، كما إذا دل خبر الثقة على الوجوب أو الحرمة - وخبر الثقة كما مر بنا دليل ظني حكم الشارع بوجوب إتباعه واتخاذه دليلا - وكان أصل البراءة من ناحية أخرى يوسع ويرخص.
ومثاله: خبر الثقة الدال على حرمة الارتماس على الصائم، فإن هذه الحرمة إذا لاحظناها من ناحية الخبر فهي حكم شرعي قد قام عليه الدليل الظني، وإذا لاحظناها بوصفها تكليفا غير معلوم نجد أن دليل البراءة - رفع ما لا يعلمون - يشملها فهل يحدد الفقيه في هذه الحالة موقفه على أساس الدليل الظني المعتبر أو على أساس الأصل العملي؟.