قلت: إن كان الغرض إثبات التكليف بعد وقوع الاسلام كان الحال كما ذكر، وليس كذلك. بل الغرض إثبات التكليف قبل وقوعه بمجرد التمكن من تحصيله، إذ لا يشترط العبادات إلا بالتمكن من تحصيل مقدماتها التي منها الاسلام. ومن المعلوم أن التمكن منه لا يوجب سقوطه عن المكلف، وانما المسقط وقوعه في الخارج ولم يثبت بعده تكليف بذلك بل يسقط به.
فإن قلت: لا شك في كون حصول الاسلام شرطا في صحة العمل، فيكون المسقط شرطا للمكلف به مع كونه رافعا لأصل التكليف.
قلت: لا مانع من كون حصول المسقط للحكم شرطا في موضوعه بعد عدم كونه شرطا للحكم، لما عرفت من أن شرط الحكم مجرد التمكن دون الوقوع، غاية الأمر امتناع وقوع المكلف به بوصف كونه مكلفا به، وليس ذلك من التكليف بالمحال، إذ الوصف المذكور ليس من قيود الموضوع.
فإن قلت: لا شك أن الشرط مقدمة للمشروط سابق عليه، فيرجع التكليف بذلك إلى الأمر بالعبادة بعد حصول الاسلام مع انتفاء وجوبها حينئذ.
قلت: لا أمر بالعبادة بعد حصول الاسلام وإنما الأمر سابق عليه لكن وقوعه مأخوذ في موضوع المأمور به، فإذا تحقق في الخارج سقط الأمر، غاية ما في الباب تعلق الطلب الغيري والنفسي بإيجاد المسقط للأمر ولا مانع منه.
فإن قلت: لا فائدة في الأمر بمثله بعد تعذر بقائه حين الفعل ليمكن امتثاله به فيكون لغوا.
قلت: يكفي في فائدته صحة المؤاخذة عليه في ترك الإتيان بمقدمته المؤدي إلى تركه فيتضاعف عقوبته في ذلك، ومن فائدته حكمة اطراد الأحكام وشمولها أولا لكافة الأنام.
الرابع: أنه لو كلف الكافر بالفروع لوجب قضاؤها عليه كالمسلم استدراكا للمصلحة الفائتة في تلك العبادات، وليس كذلك. وهو احتجاج غريب لبطلان الملازمة وصحة التالي، إذ قد عرفت أن التكليف بالقضاء أيضا من الفروع إلا أنه يسقط بالإسلام كغيره.