ما يمنع عنه على ما عرفت، فينوي الوجوب الكفائي ويسقط بفعله عن غيره، لكن لا يأثم بتركه وإنما يختص الإثم بغيره.
فإن قلت: إذا انتفى الإثم عنه في تركه وترك غيره فما معنى وجوبه عليه؟
قلت: يتصور ذلك على وجهين كما أشرنا إليهما:
أحدهما: أن يكون ثابتا قبل التعسر ويكون التعسر مسقطا له، إلا أن الفعل الواقع منه مسقط للتكليف عن غيره، لحصول المطلوب به.
والآخر: أن يكون الوجوب ثابتا للعنوان الكلي الشامل لمن تعسر عليه الفعل، ويكون فائدة شموله حصول الاجتزاء بفعله عن فعل غيره ويكون أثر الوجوب ترتب الإثم على غيره عند ترك الجميع. ومع ذلك فالأوجه القول بانتفاء الوجوب في حقه وعدم جواز قصده وتعلقه بسائر المكلفين، فيكون فعله مسقطا للواجب عن غيره من غير أن يكون واجبا على نفسه. وهذا معنى ما هو المختار في الواجب الكفائي.
وأما على سائر الأقوال فيه. وفي المخير والموسع، فيظهر الحال فيها من التأمل فيما ذكر.
ومنها: أن الأدلة المذكورة هل تنفي الحرج في التكاليف الالتزامية الحاصلة باختيار المكلف للسبب الموجب لها كالنذر والعهد واليمين والشرط والإجارة بل وسائر العقود والإيقاعات الواقعة مع تعسر الوفاء بمقتضاها وتحمل الديون والحقوق بالاختيار مع تعسر أدائها؟ قد يمنع من ذلك من حيث إن الحرج في تلك الموارد ليس بأمر مجعول من الشارع، وإنما المجعول تجويز الالتزام المذكور وشبهه وليس في نفس الإذن فيه شائبة الحرج، وإنما اختار المكلف إيقاع نفسه في الحرج فلا يندرج في الأدلة.
وقد يفصل بين علمه في تلك الحال بتضمنه للحرج وعدمه. فيقال بسقوط التكليف بما فيه الحرج منها مع جهله بذلك، إذ لو كلف بعد ذلك بوجوب تحمله كان ذلك تكليفا بالحرج وإرادة للعسر، ولذا يسقط أداء الدين في المستثنيات وعلى