الرابع: أنه لو كان القضاء ثابتا بأمر جديد مستقل فيه لكان واجبا آخر غير الأول، وكان كالأول أداء للفعل الواجب في وقته المضروب له، وهو: ما بعد الوقت المقرر للواجب الأول، فهما إذن واجبان لكل منهما وقت معين إلا أن الثاني مشروط بترك الأول فلا معنى لكون أحدهما أداء والآخر قضاء، وهو باطل بالاتفاق.
وفيه: أن الثاني وإن وقع في وقته ومحله لكن الأمر به إنما وقع لتفويت الأول ليكون بدلا عما فات واستدراكا له، ولا نعني بالقضاء إلا ذلك، وإنما يخرج عن حقيقته على ما زعمه الخصم كما عرفت، لعدم فوات حقيقة المطلوب الأول عنده وبقاء وجوبه بنفس ذلك الأمر على ما زعمه.
الخامس: أن الغالب في الواجبات الموقتة وجوب قضائها عند فوات أوقاتها المعينة ولا بد لذلك من مقتض، والأصل عدم ما سوى الأمر السابق فكان هو المقتضي وهو ظاهر الفساد، لوجود الأدلة في تلك الموارد على ثبوت القضاء.
فكيف! يقال بأصالة عدمها، على أن الأصل المذكور معارض بأصالة عدم دلالة الأمر الأول عليه أيضا، فكان المقتضي غيره. ثم الأصل في المقام لا يجدي شيئا، لكونه من الأصل المثبت وقد تقرر عدم اعتباره.
ومنهم من قرر الوجه المذكور بأن التتبع يورث الظن بثبوت القضاء في كل موقت فات في وقته إذا كان واجبا، إذ لا يوجد في الواجبات خلاف ذلك إلا في العيدين والجمعة ونحوهما، فيحصل الظن بأن منشأ الحكم بوجوب القضاء إنما هو الأمر الأول.
وهو أيضا كما ترى، لأن تفريع الأمر الأخير على الأول فاسد. غاية الأمر جواز إثبات القضاء في محل الشك بالظن الحاصل من الغلبة. وهو بعد تسليمه وتسليم حجيته في مقابلة الأصول القطعية القاضية بالبراءة خارج عن محل الكلام، لاستناد القضاء إذن إلى الدليل وهو الغلبة دون الأمر الأول، فإن أريد أن الباعث على إيجاب القضاء هو الأمر الأول فهو أمر بين، بل لا نعني بالقضاء إلا ذلك، ولا ربط له بالمقصود من كون الأول دليلا على ثبوت القضاء، بل المفروض خلافه.