والمذاهب بالنظر إلى ظاهر الحال خمسة:
أحدها: القول ببقاء الجواز وهو يرجع إلى وجوه بل أقوال ثلاثة: بقاء الجواز بالمعنى الأعم من الأحكام الأربعة، أو الدائر بين الثلاثة حسب ما مر، أو الأخص وبقاء الاستحباب.
ثانيها: الرجوع إلى الحكم الثابت قبل الأمر.
ثالثها: الخلو عن الحكم.
رابعها: الرجوع إلى الحكم الثابت قبل الأمر من الإباحة أو الحظر العقليين.
خامسها: ما اخترناه ويمكن إرجاع الأقوال الثلاثة المذكورة إلى الخامس.
وكيف كان فيدل على المختار أن الوجوب معنى بسيط في الخارج وقد دل عليه الأمر فإذا فرض رفعه بالنسخ ارتفع بالمرة، إذ ليس مركبا من أشياء ليقال بإمكان ارتفاع المركب برفع بعض أجزائه حسب ما ذكره المصنف في الاستدلال الآتي وتوهمه القائل ببقاء الجواز فيما سيقرره من الاحتجاج على مذهبه.
نعم إنما يثبت له أجزاء تحليلية عقلية من الإذن في الفعل والمنع من الترك وغيرها إن ثبت كونها أمورا ذاتية له، ومن البين أن ذلك لا يوجب تركبا بحسب الخارج بأن يكون هناك موجودات متعددة منضمة ليصح القول برفع بعضها دون بعض. فالاشتباه في المقام إنما وقع من جهة الخلط بين التركيب العقلي والخارجي، بل قد مر التأمل في كون المنع من الترك من أجزائه العقلية أيضا حتى قيل بكونه من لوازمه البينة بالمعنى الأعم. وإذا ثبت زوال الحكم المذكور من جهة النسخ بالمرة فلا بد فيه من الرجوع إلى الأصول والقواعد الشرعية أو العقلية حسب ما قررناه.
قوله: * (إن الأمر انما يدل على الجواز بالمعنى الأعم) *.
لا يخفى أن مدلول الأمر هو مفهوم الوجوب دون مفهوم الجواز غاية الأمر أنه يصح أن ينتزع العقل منه مفهوم الجواز، ومجرد ذلك لا يقضي بكون الجواز مدلولا لفظيا له، ولو سلم كونه مدلولا لفظيا له في الجملة فالقدر الذي يكون مدلولا له هو الجواز