حكاية الشهرة عليه، وهو بعيد عن ظاهر العنوان إلا أنه سيأتي في احتجاج القائل بالبقاء توجيه ذلك، على أن ذلك مما لا دليل عليه كما سيجئ الإشارة إليه إن شاء الله. ولا يجري بالنسبة إلى ما لا يعقل فيه الإباحة كما في العبادات. وقد يراد به الجواز في ضمن الاستحباب وهو الذي تقتضيه حجتهم على ذلك كما سيشير إليه المصنف إلا أن القول به نادر حسب ما نص عليه المصنف.
قوله: * (بل يرجع إلى الحكم الذي كان قبل الأمر) * قيل عليه: إن رجوعه إلى الحكم الذي كان قبل الأمر لا دليل عليه فالحق أنه يصير من قبيل ما لا حكم فيه.
قلت: مبنى الإيراد المذكور على حمل الحكم الذي كان قبل الأمر على ظاهر إطلاقهم ليشمل الحكم الثابت له قبل ذلك بالدليل الخاص أيضا، وعلى هذا فالحكم بالرجوع إليه واضح الفساد، إذ لا معيد إلى الحكم الخاص بعد ارتفاعه بالأمر الدال على الوجوب. ولا يبعد أن يريد به رجوعه إلى الحكم الذي لولا الأمر، فالمراد بالحكم الثابت له قبل الأمر هو الحكم الثابت بمقتضى الأصل عقليا كان كالإباحة والحظر العقليين، أو شرعيا كأصالة البراءة والإباحة الثابتتين بالشرع أو القاعدة الشرعية الثابتة في الشريعة، كما إذا نسخ وجوب قتل فاعل بعض الكبائر فإنه يرجع إلى قاعدة تحريم قتل المسلم الثابتة بحكم الشرع بل العقل أيضا، وما إذا نسخ وجوب الصدقة عند النجوى فإنه يرجع إلى الاستحباب الثابت شرعا بل وعقلا لمطلق الصدقة، وما إذا نسخ وجوب صوم يوم معين فإنه يرجع إلى قاعدة الاستحباب الثابت لمطلق الصوم إلى غير ذلك.
وحينئذ فما ذكره المدقق المحشي في رفع المتقدم من تفسيره الحكم الذي كان قبل الأمر بالحكم الأصلي الذي يحكم به العقل من الإباحة أو الحظر الأصليين دون الحكم الشرعي الذي كان مرتفعا بالأمر المنسوخ ليس على ما ينبغي، إذ قد عرفت أنه لا مانع من الرجوع إليه إذا كان ذلك الحكم أصلا شرعيا وقد خرج عنه من جهة الأمر فإذا نسخ ذلك رجع الأمر إلى الأصل المفروض هذا.