لاختبار إبراهيم (عليه السلام) وإظهار علو شأنه وكمال انقياده، كما يشير إليه قوله تعالى:
* (إن هذا لهو البلاء المبين) * (1). وقد عرفت أنه لا تجوز حينئذ في الأمر، نظرا إلى حصول الطلب الذي هو مدلول الصيغة والإرادة التشريعية لنفس الفعل وإن لم يكن مرادا بنحو آخر، لعلمه تعالى بمنعه عن الفعل، وقد مر أن تلك الإرادة لا مدخل لها في مفاد الصيغة، فالقضية المذكورة أقوى شاهد على المدعى، ولا حاجة في دفعه إلى التكلفات المذكورة، إذ ليس فيها منافاة لحكم العقل، ولا لقواعد الشرع حتى يتصدى لتأويل النقل حسب ما عرفت تفصيل القول فيه، وجعل الأمر في المقام للامتحان مع التزام التجوز والخروج عن حقيقة التكليف بالفعل بإرادة التكليف بمقدماته أو بعدم إرادة التكليف أصلا من غير أن يعلم إبراهيم (عليه السلام) بحقيقة الحال ليتعقل حصول الامتحان - مع ما عرفت من ضعفه - قاض بحصول الجهل المركب لإبراهيم (عليه السلام)، وهو لا يناسب منصب النبوة، سيما بالنسبة إلى الأحكام الشرعية.
قوله: * (بل للعزم على الفعل والانقياد إليه... إلخ) *.
لا يخفى أنه بناء على المنع من تعلق الأمر بالفعل مع علم الآمر بامتناعه لا بد إما من القول بعدم جواز صدور الأوامر الامتحانية كما قد يومئ إليه.
قوله: * (ولو سلم... إلخ) *، وهو في غاية البعد، بل واضح الفساد كما عرفت.
واما التوجيه في مادة الأمر بإرجاعه إلى إرادة مقدمات الفعل، أو بالتجوز في هيئته بإرادة صورة الطلب منه من غير أن يكون هناك طلب على سبيل الحقيقة.
وكلا الوجهين لا يتم على القول بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إما مطلقا أو في ما له ظاهر، فإنه إن بين ذلك للمخاطب في حال الخطاب لم يتفرع عليه ما هو المقصود من الامتحان، وإن لم يبين ذلك لزم المفسدة المذكورة، ومع الغض عن ذلك فلا يخفى ما في التوجيهين المذكورين من البعد والخروج عن الظاهر، سيما في ما اختاره المصنف من الوجه الأول، إذ استعمال الفعل في العزم عليه والإتيان بمقدماته في غاية البعد، بل ربما يقال بكونه خطابا خاليا عن