مفهومي الشرط والغاية وغيرهما بين الخبر والإنشاء شاذ لا يعرف من أرباب التحقيق، فيكون مدلول الانشاء فيها كالإخبار، ويعرف الحال في ذلك بالمقايسة إلى الاستثناء من الطلب أو المطلوب، كما لو قال: " صم إلا الليل " فإنه يدل على انتفاء نوعه في المستثنى، لا انتفاء ذلك الطلب المقصود بيانه.
فهناك فرق بين بين التقييد بالشرط والغاية والاستثناء ونحوها وبين التقييد باللقب والوصف ونحوهما، فإن الأول يدل على انتفاء نوع الطلب على حسب ما مر في تحرير محل النزاع، والثاني إنما يستلزم انتفاء الطلب المخصوص في غير مورده مع السكوت عن بيان حكمه، إلا لخصوصية في ذلك تقضي بالدلالة عليه، فإذا كان مدلول الأمر هو الطلب الخاص الحاصل به لم يكن مفاد الاستثناء منه إلا انتفاءه في المستثنى بخصوصه، فلا يدل حينئذ على أكثر مما يفيده اللقب وغيره، ومن البين خلافه، لوضوح دلالة الاستثناء على نفي مطلق الطلب عن المستثنى وانتفاء مطلوبيته على الإطلاق وإن صح تعلق الطلب به فيما بعد ذلك، فكذا الحال في التقييد بالشرط والغاية، بل الثاني أوضح من الأول كما عرفت، وهذا مما يؤيد ما تقدم في محله من كون الموضوع له للهيئات المذكورة عاما.
وعلى كل حال فالدلالة على ما ذكرنا ظاهرة من الرجوع إلى العرف والنظر إلى متفاهم أهل اللسان، وقد يقرر الدلالة في المقام ونظائره بوجه آخر، وهو: أن التقييد بالغاية في الأحكام الطلبية يدل على انقطاع الإرادة الواقعية عندها فينتفي فيما بعدها، فيدل على انتهاء مطلق الطلب حينئذ، سواء كان مدلول الصيغة خاصا أو عاما.
وأنت خبير بما فيه، إذ الإرادة إن قلنا بكونها عين الطلب - كما هو المعروف من المذهب - كان الحال فيها هو الحال في الطلب في العموم والخصوص، بل مفاد أحدهما عين الآخر فلا يجدي اختلاف التعبير شيئا، فإن انتفاء الإرادة المخصوصة لا ينافي ثبوت نوعها وجنسها فيما بعد الغاية كالطلب. وإن قلنا بمغايرة الطلب والإرادة لم تكن الإرادة مناطا للتكليف ولم يكن في تقييد الطلب دلالة على تقييد الإرادة، فلا تغفل.