وأنت خبير بما فيه، للقطع بحسن الاستفهام مع حصول التردد في الحكم، إنما لا يحسن مع سكوت المتكلم حيث يكون دليلا على النفي ولو بضميمة الأصل، بل قد يحسن مع ذلك أيضا عند قيام الاحتمال لتحصيل المعرفة بالحكم الواقعي. وعلى ما ذكر ينبغي القول بقبح الاستفهام مطلقا، إذ الكلام إن دل على الحكم لم يحسن الاستفهام كما ذكر، وإن لم يكن فيه دلالة فالمفروض عدم حسنه أيضا مع سكوت المتكلم في تلك الحال، فيختص حسن الاستفهام بالسؤال عن تعيين الحكم بعد ثبوته على الاجمال، مع قيام الضرورة على حسن الاحتياط في تعلم الأحكام في كل مقام، فالكلام المذكور في غاية السقوط.
الثاني: أن التقييد بالغاية لو لم يكن لفائدة إفادة المفهوم كان لغوا في الكلام، وهو مع امتناعه في كلام الحكيم خارج عن وضع المخاطبات، مخالف لطريقة العقلاء في المحاورات، كما مر نظيره في مفهومي الشرط والوصف، ألا ترى أنه لو أخبر عن الجالس إلى الليل بجلوسه إلى الظهر أو عن شئ من الأحكام والوقائع المستمرة بثبوته إلى وقت كذا وحال كذا مع بقائه فيما بعده عده مستهجنا في العرف قبيحا في المحاورات؟
وفيه: أن ذلك إنما يسلم حيث تنحصر الفائدة فيما ذكر، أما لو فرض حصول غيره من الفوائد المقصودة في ذكر الغاية لم يكن فيه حرازة. نعم، لو كان ما ذكر أظهر الفوائد وأرجحها في النظر بحيث يكون هو المنساق من اللفظ عند الإطلاق تم ما ذكر، وهو أمر آخر، وقد مر الكلام في نظائره، إذ ليس للغاية خصوصية في ذلك، بل يجري في مطلق القيود الواقعة في الكلام كما سلف.
الثالث: أن المغيا بالغاية المفروضة لو فرض استمراره فيما بعدها كانت الغاية وسطا للأمر المفروض حكما كان أو غيره. ومن البين أنه لا يعقل من الغاية إلا طرف الشئ وحده الذي ينتهى إليه.
وأورد عليه: بأن المفهوم منها كونها غاية للمذكور، ولا يلزم من وجود المغيا فيما بعد الغاية بخطاب آخر أن يكون وسطا، إنما يلزم لو كان مستندا إلى ذلك الخطاب الحاصل قبل الغاية.