وقد يورد على الأول: بأن غرض المعترض دعوى عدم المنافاة بين الخطابين بحسب معناهما الحقيقي، من غير لزوم تجوز ولا نسخ.
وعلى الثاني: بأن الخطاب الثاني إذا كان دالا على ثبوت مثل الحكم الثابت قبل الغاية فيما بعدها كان منافيا لمقتضى المفهوم، لأن معناه الحكم بنفي الحكم المذكور عما بعد الغاية، وقد عرفت رجوعه إلى نفي المماثل، لوضوح أن الأول لا يتجاوز عن حده ومورده بالضرورة، فإنما يكون الثاني مماثلا للأول بعد انقطاعه.
والوجه في ذلك: ما تقدم من أن أقصى ما يفيده المفهوم انتفاء الحكم المنطوق به فيما بعد الغاية وانقطاعه عندها، فيكون المفهوم تابعا للمنطوق في الإطلاق والخصوصية، فإن كان المغيا مطلق الحكم دل على انتفائه فيما بعد، وان كان حكما خاصا كان أقصاه الدلالة على انتفائه، فلا يدل على انتفاء نوعه، فلا بد من تشخيص مدلول المنطوق وتعيين الحكم المقيد بالغاية فيه. وقد تقدم أن مدلول الخطابات بحسب ظاهرها مطلق الحكم، ومدلول الأخبار ماهية الأمر المغيا إلا أن تقوم هناك قرينة على إرادة الخصوصية وتقييدها بالغاية من حيث هي، ولا ينبغي التأمل في مثله في عدم الدلالة على انتفاء المماثل، فلا ينافي ذلك ورود خطاب آخر بمثل الحكم السابق، فمثل وجوب القتل بالقصاص المقيد بغاية العفو لا ينافي وجوبه بالردة وغيرها فيما بعدها، وكذا تحريم الزوجة المحرمة إلى غاية الخروج من الإحرام لا ينافي تحريمها بالحيض والظهار والإيلاء وغيرها، وكذا الحال في الأحكام المستندة إلى أسباب خاصة لا ينافي ثبوت مثلها بأسباب اخر، بخلاف مثل قوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (1) * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * (2) * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا) * (3)... إلى غير ذلك، فلا تغفل.
وأما القول الثالث بالتفصيل فإن رجع إلى الكلام في نفس الغاية فقد تقدم القول فيه، وإلا فقد عرفت أنه لا يناسب حكم ما بعد الغاية، وغاية ما ذكره المفصل