حيث يدل على وقوع سيرين مختلفين ينتهي أحدهما إلى الكوفة والآخر إلى الشام فلا محالة يكون ذلك قرينة على إرادة الخصوصية من كل منهما، فينتفي كل من السيرين المخصوصين فيما بعد غايته، فلا ينافي ذلك القول بالتجوز في استعمال الأداة في غير ما يفيد معنى الانتهاء، بل هو المفروض في محل المسألة على ما ذكرناه. وكلام المورد لا يدل على دعوى الاتفاق على خلاف ذلك، إنما يدل على عدم تصريحهم بذلك، ومجرد ذلك لا يقضي بحصول الظن بخلافه، وإنما المدار في ذلك على أمارات الحقيقة والمجاز.
وعن الثالث: بأن إثبات المفهوم وإن لم يستلزم القول بالتجوز بدونه إلا أن في كلمات أكثرهم ما يشعر به أو يدل عليه، كاحتجاجهم بما ذكره المصنف (رحمه الله) فإن ظاهره هو القول باستناد الدلالة في ذلك إلى الوضع.
الثاني: أنه لو تم ما ذكره المستدل لزم رجوع المفهوم في ذلك إلى المنطوق، إذ المفروض استناد الدلالة في ذلك إلى المعنى الموضوع له، وهو كون مدخول " من " أولا ومدخول إلى " آخرا " للحكم، فيدل الكلام إذن بمنطوقه على اختصاص الحكم بما بين الحدين فينتفي عن غيره، والتالي باطل، لإطباقهم على عد ذلك من المفاهيم وذكره في عدادها.
ويمكن الجواب عنه أولا: بأن دعوى كون الدلالة على ذلك من باب المفهوم ليس مسلما بينهم حتى يتم الاستناد فيه إلى إطباقهم عليه. فعن بعضهم: اختيار القول بكونه من المنطوق، وحكي ذلك عن أبي الحسين، ومنهم من عده صريحا في ذلك، وهو ظاهر في دعوى كونه من المنطوق، بل يشعر برجوعه إلى دلالة المطابقة، فلا وجه لدعوى الاتفاق على خلافه.
وثانيا: بأن ما ذكر في الاحتجاج لا يستلزم رجوع الدلالة في ذلك إلى المنطوق، وإنما يقتضي كونه من لوازم المعنى الموضوع له، وغايته دعوى كون اللزوم في ذلك من البين بالمعنى الأخص، ولا يخرج بذلك عن حد المفهوم، وحيث إن انتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم فلذلك قلنا بكونه خلاف المنطوق،