بمطلق الظن في مثل ذلك، لحصول الظن منه بالوضع، وعدم خروج اللفظ بذلك عن حقيقته مع تأيده بعدم إشارة أحد منهم إلى التجوز في ذلك. ألا ترى أن قولك:
" سرت من البصرة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام " ليس عندهم من الاستعمالات المجازية المتوقفة على ملاحظة العلاقة بينها وبين المعنى الحقيقي، ومثله الأمر بالسير على الوجه المذكور، وكذا الحال في سائر المقامات التي لا يراد فيها المفهوم.
ودعوى رجوعه إلى تقييد إطلاق السير بالسير المخصوص المنتفي فيما بعد الغاية فلا يلزم المجاز مدفوعة بظهور عدم بناء الاستعمال فيه على ملاحظة التقييد المذكور في استعمال الفعل المغيا بنفسه، وإنما يحصل التقييد بذكر الغاية، وإلا لزم استعمال اللفظ الموضوع للمطلق في الخصوصية، وهو مجاز آخر، إذ مع استعماله في المطلق وتقييده بالغاية يكون مفاده انتهاء مطلق السير إلى تلك الغاية.
وعلى الثالث أن القول بثبوت المفهوم المذكور لا يستلزم القول بالتجوز مع عدم إرادته، فيمكن الاستناد فيه إلى نحو ما ذكروه في مفهوم الوصف، من ظهور كون الفائدة في التقييد إفادة المعنى المذكور، مع أنه لم يقل أحد من القائلين بمفهوم الوصف بلزوم التجوز في الكلام بدونه. غاية الأمر أن يكون الظهور في الغاية أقوى، ولذلك قال به من لا يقول بالوصف.
ويمكن الجواب عن الأول: بأن من المحتمل رجوع القيد إلى موضوع الحكم دون نفسه فيكون معنى قولك: " صم إلى الليل " صم صياما آخره الليل، وهو لا يستلزم الانتفاء بعدها إلا بمفهوم الوصف وإنما عدلنا عنه لظهوره في التعلق بنفس الحكم كما سيجئ فلا يلزم المجاز.
وأيضا فمن الممكن رجوعه إلى الحكم المخصوص فلا يلزم تقييد مطلقه بالقيد المذكور وإن كان خلاف الظاهر أيضا، فلا يلزم من عدم إرادة المفهوم عدم استعمال أداة الغاية في معنى انتهائها حتى يلزم التجوز في اللفظ الموضوع بإزائه.
وعن الثاني بالفرق بين المثال المذكور وما نحن فيه، فإن الكلام المذكور