في إبطال دلالة اللفظ عليه إلى دعوى الظهور وكون التخصيص بأحدهما تحكما كما ذكره المدقق المذكور، بل الأمر بالعكس، كيف! وإثبات عدم دلالة اللفظ عليه بكونه تحكما غير معقول، فإنه إنما يكون تحكما إذا لم يكن في اللفظ دلالة عليه.
ومن الغريب أن الفاضل المذكور قد ادعى في تقرير الاحتجاج كون انتفاء تقييد الأمر بجزء مخصوص أمرا ظاهرا، وحكى الاتفاق على عدم قيام دليل نقلي من الخارج على الاختصاص، ومعه كيف يعقل تنزيل العبارة على الوجه المذكور؟
وأما ثالثا فبأن الإيراد المتقدم جار بالنسبة إلى التقرير المذكور أيضا، فإن أريد بقوله: " وهما خلاف الاجماع " أن عدم صحة التقديم واقتضاءه العصيان خلاف الاجماع فالملازمة في الأول وبطلان التالي في الثاني ممنوع. وإن أريد به أن اقتضاء ظاهر الأمر ذلك خلاف الاجماع فالملازمة في المقامين مسلمة، لكن بطلان التالي ممنوع، إذ لا مانع من القول باقتضاء ظاهره ذلك، إلا أنه قد قضى الدليل الشرعي من الاجماع أو النص بخلافه، إذ لا يستريب أحد في جواز التقديم وعدم ثبوت العقاب في التأخير.
هذا وقد استدل أيضا للقول المذكور بوجوه اخر:
منها: حصول العلم الضروري بجواز قول السيد لعبده: " خط هذا الثوب في هذا الشهر ولا تؤخره عن ذلك الوقت، وفي أي وقت أتيت به من ذلك الشهر فقد امتثلت أمري، ولو أخرته عنه عصيتني ". وهذا هو معنى الواجب الموسع، إذ لا يعقل حينئذ كون الإيجاب مضيقا، ولا عدم إيجابه على العبد شيئا.
وقد يقال: إن التكليف المذكور ينحل إلى أمرين: وجوب الفعل على سبيل التضييق في آخر أوقات الإمكان، واستحباب الإتيان به في أوله بحيث يكون مسقطا للتكليف به في الآخر. غاية الأمر أنه خلاف ظاهر الإطلاق، ولا كلام للخصم في الخروج عن ظاهر الإطلاق، وإنما التزمه لما زعمه من حكم العقل، ومع الغض عن ذلك فمرجع الوجه المذكور إلى الدليل المتقدم، لرجوعه إلى التمسك بالظاهر وإن اختلفا في ظاهر التقرير.