مانع منه في المقام، ولا يعتريه شبهة، فلا إشكال. والظاهر أن أحدا لا يقول بامتناعه. هذا.
وقد يوجه اجتماع الوجوب والندب في المقام بنحو آخر: بأن يقال بأن هنا رجحانا مانعا من النقيض يقوم غيره مقامه، ورجحانا غير مانع من النقيض لا بدل له يقوم مقامه.
فالأول هو الوجوب التخييري القائم بكل من الفعلين.
والثاني هو الاستحباب العيني القائم بالفرد الأكمل، إذ لا بدل لكمال الفرد، ولا يتعين على المكلف تحصيله.
وأنت خبير بوهن ذلك أيضا، فإن ما ذكر إنما يفيد كون الجهة المفروضة غير ملزومة للفعل، وأين ذلك من استحباب الفعل وجواز تركه بحسب الواقع كما هو المقصود؟ إذ من البين أنه إذا حصل جهة الوجوب والندب في شئ كان الترجيح لجانب الوجوب، لاضمحلال الجهة النادبة عند الجهة الموجبة ومع الغض عن ذلك فالمصلحة القاضية بالأولوية في المقام إنما تفيد أولوية فعل أحدهما على فعل الآخر على وجه لا يمنع من النقيض، لا أولوية فعل أحدهما على تركه مع عدم المنع منه مطلقا حتى يندرج في الندب المصطلح، ومجرد عدم بديل للرجحان المفروض لا يقضي بكون الرجحان الحاصل ندبا مصطلحا كما لا يخفى.
نعم، إن أريد بالندب غير معناه المعروف حسب ما أشرنا إليه صح ما ذكر، إلا أنك قد عرفت أنه غير قابل للنزاع.
ثامنها: أنهم اختلفوا في جواز حصول التخيير في التحريم بأن يكون المحرم أحد الفعلين لا بعينه على الوجه الذي قرر في الواجب المخير.
فعن الأشاعرة القول بجوازه، وقد اختاره الآمدي والحاجبي والعضدي، إذ لا يعقل مانع من تعلق النهي بأحد الشيئين على الوجه المذكور.
وعن المعتزلة إنكار ذلك. وحكي عن بعضهم المنع من النهي عن أمور على سبيل التخيير بينها، لأن متعلق النهي حينئذ هو مفهوم أحدها الذي هو مشترك بينها