فعلى القول بتعلق الأمر بالطبيعة يكون كل من المرة والتكرار مصداقا لأداء الطبيعة، إلا أنها حاصلة بحصول المرة، سواء ضم إليها الباقي أو لا، فلا وجه إذن لكون التكرار مصداقا للامتثال لحصول البراءة بالأولى، فلا وجه لكون الامتثال به مراعى بحصول الباقي وعدمه، بل هو حاصل به على كل حال، فلا يتجه إجراء الكلام المذكور في هذه الصورة سيما في المثال المفروض، حيث إنه لا يعد الجميع امتثالا واحدا وأداء واحدا للطبيعة، نظرا إلى حصول الطبيعة بكل منها، فيكون كل منها مصداقا لأداء الطبيعة ومحققا لامتثال الأمر المتعلق بها، فظاهر أن الأمر الواحد لا يقتضي إلا امتثالا واحدا فلا وجه للحكم بأداء الواجب حينئذ بالمتعدد ليكون التكرار أحد فردي المخير، بل لا يفترق الحال بين أداء الجميع دفعة أو تدريجا لحصول الواجب في الحالين بالمرة، وفيه تأمل، وقد مر الكلام فيه في بحث المرة والتكرار.
فظهر بما قررناه أنه لو كانت الزيادة مما يحصل به الواجب أيضا - كما في المثال المذكور - كان ذلك أيضا قاضيا (1) بوجوب الأقل لحصول الطبيعة الواجبة به، فيتحقق به الامتثال، وبعد تحقق الامتثال والطاعة وحصول البراءة لا بقاء للتكليف حتى يعقل إمكان امتثال الأمر أيضا حسب ما أشرنا إليه.
نعم، لو نص الآمر بعد تعلق الأمر بنفس الطبيعة بالتخيير بين أدائه لتلك الطبيعة في ضمن المرة أو التكرار أمكن القول باستحباب ما زاد على المرة، ويكون النص المذكور دليلا على ثبوت الاستحباب في القدر الزائد لحصول الطبيعة الواجبة حينئذ بالمرة، ومعه لا يتحقق اتصاف الزائد بالوجوب فيتعين أن يكون مندوبا.
وأما لو حكم أولا بالتخيير بين الإتيان بفعل مرة أو مرتين أو ثلاثا - مثلا - لم يبعد القول بقيام الوجوب بكل من المراتب حسب ما قررناه أولا، فتأمل في الفرق بين الوجهين فإنه لا يخلو عن خفاء. هذا.