وإذا لم تكن الزيادة مما يتحقق بها تكرار لحصول الفعل بل إنما تعد هي مع الناقص امتثالا واحدا وأداء واحدا للطبيعة المتعلقة للأمر لم يبعد القول بمشروعية الزيادة واتصاف كل من الناقص والزائد بالوجوب، كما في مسح الرأس فإنه وإن تحقق مسماه بأول جزء من إمرار اليد عليه إلا أنه مع استمرار المسح زيادة على قدر المسمى يعد الجميع مسحا واحدا وأداء واحدا للطبيعة، فإن اقتصر على الأقل تحقق به الطبيعة، وإن أتى بالزائد كان المشتمل على الزيادة فردا آخر منها وقام الوجوب بالمجموع، من غير فرق في ذلك بين كون التخيير عقليا أو شرعيا.
وقد يقال في غير هذه الصورة باستحباب القدر الزائد في التخيير الشرعي مطلقا، إذ هو الذي لا يجوز تركه عند الآمر، وما زاد عليه لا منع من تركه أصلا فيكون مندوبا.
فإن قلت: إن تعلق الأمر بهما على نحو سواء فكيف! يصح القول بوجوب الأقل دون الأكثر، فيلزم استعمال الأمر حينئذ في الوجوب والندب معا.
قلت: ورود التخيير على الوجه المذكور دليل على ذلك، إذ المتحصل من إيجاب الفعل على النحو المفروض هو المنع من ترك الأقل وجواز ترك الباقي، فلو لزم تجوز في صيغة الأمر فلا مانع منه بعد قيام الدليل عليه، وليس ذلك من استعمال اللفظ في كل من معنييه الحقيقي والمجازي.
بل نقول: إن ذلك لا يقتضي خصوص استحباب الزائد، بل يفيد الرخصة فيه، فإنه إذا كان ذلك الفعل أمرا راجحا في نفسه قضى ذلك باستحبابه، كما إذا قال:
" تصدق بعشرة دراهم فما زاد ". ولو كان محرما في نفسه كما إذا قال: " اضربه عشرة أسواط فما زاد إلى عشرين " فليس مفاده إلا الرخصة في ما زاد على العشرة إلى عشرين، ولا دلالة فيه على استحبابه. وهذا الوجه لا يخلو عن قرب، إلا أن ما فصلناه هو الأقرب، والباعث على الشهرة في المقام هو ما ذكر من جواز ترك الزيادة، وقد عرفت أن الوجوب لا يقوم بها حتى ينافيه ذلك، وإنما يقوم بالكل، وجواز تركه إنما هو إلى بدل هو الإتيان بالأقل فلا ينافي وجوبه على سبيل التخيير حسب ما ذكرنا، فتأمل في المقام فإنه لا يخلو عن إبهام.