وجوب أمرين، كيف ولو كان ذلك لغوا لكان بيان هذه المسألة وعقد الخلاف فيها وإقامة الحجج من الفريقين على كل من الجانبين والنقض والإبرام الواقع في البين من الطرفين أعظم لغوا، فما يجعل فائدة في ذلك فهي الفائدة في تصريح الشارع به، كيف ولو صرح به وثبت ذلك عنه؟ لم تكن المسألة محلا للخلاف فلا أقل من ظهور الحق لمن بذل الوسع فيه، وأي فائدة أعظم من ذلك؟
فيمكن أن ينهض الوجه المذكور حجة على وجوب المقدمة بأن يقال: لو لم تكن المقدمة واجبة شرعا لجاز تركها، والملازمة ظاهرة، وأما بطلان التالي فلأنه لو جاز تركها لجاز حكم الشارع بجواز تركها، أما الملازمة فلجواز حكم الشارع بما هو الواقع بل من شأنه بيان حكمه في الوقائع وأما بطلان التالي فلقبحه وركاكته، كما اعترف المصنف به.
ويمكن الإيراد عليه: بأن الوجه في عدم جواز حكمه بجواز ترك المقدمة امتناع انفكاك الواجب عنها فهي واجبة بالعرض من جهة وجوب ذيها، كما هو الحال في لوازم الواجب فلا يجوز تركها، لعدم جواز ترك ملزومها ولذا لا يصح إطلاق الحكم بجواز تركها ويصح الحكم بجواز تركها في نفسها وكما لا يجوز حكم الشرع بجواز تركها لعدم جواز تركها على الإطلاق كذا لا يحكم به العقل فلا فرق بين الحكمين كما توهم المصنف ولا دلالة في ذلك على وجوب المقدمة كما لا يدل على وجوب لوازم الواجب.
فقوله: * (لو لم يكن المقدمة واجب لجاز تركها) *.
إن أريد به وجوبها بالذات على أن يكون الوجوب من عوارضها فالملازمة ممنوعة، لإمكان أن لا يكون واجبة كذلك لكن لا يجوز تركها بالعرض من جهة عدم جواز ترك ملزومها، وإن أريد به الأعم من وجوبها بالذات وبالغير على أن يكون الوجوب من عوارض ذلك الغير وتتصف هي بالوجوب بالعرض على سبيل المجاز من جهة عدم انفكاك الواجب عنها فالملازمة مسلمة، ولا تثبت المدعى، لما عرفت من خروج ذلك عن محل البحث، إذ هو من لوازم اللابدية المسلمة بعد الحكم بوجوب ذي المقدمة.