يقبلون اعتذاره بعدم تمكنه من ذلك حينئذ لبعد المسافة وعدم قطعه الطريق بعد تمكنه منه في وقته، بل يقولون له: إن ذلك كان أمرا ضروريا لأداء المناسك وقد كنت متمكنا من ذلك، وإرجاع هذا الذم إلى الذم على ترك قطع الطريق خلاف مقتضى اللفظ بل الوجدان يحكم بأنه قد لا يخطر ذلك بالبال.
بين الاندفاع، للفرق البين بين ذمه على عدم إتيانه في ذلك الزمان بتلك الأفعال وإقدامه على القبيح في تلك الحال وذمه على أنه لم يكن في جملة المتلبسين بتلك الأفعال الآتين بها في تلك الحال، فإن هذا الذم وارد عليه من جهة تركه الذهاب مع الرفقة الأخيرة، فإنه لما كان الواجب في ذمته هو أداء المناسك كان الذم متوجها إليه من جهة ترك ذلك وإن كان قبل وقت أدائها بعد تركه المقدمة الموصلة إليها، إذ الذم الوارد على ترك المقدمة إنما هو من جهة أدائه إلى ذلك، فالذم المذكور إنما يرد بالأصالة على ترك ذي المقدمة وبالتبع على ترك المقدمة، ولذا يرد الذم عليه مع قطع النظر عن ملاحظة تركه قطع الطريق - حسب ما ذكر - لكن لا دلالة فيه على ما هو بصدده.
ثم إنه يظهر من ملاحظة ما ذكرنا تقريرا آخر للدليل المذكور وقد أشار إليه بعض المتأخرين، وذلك بأن يقال: إنه لو لم تكن المقدمة واجبة لزم عدم تحقق المعصية واستحقاق العقوبة بترك الواجب والتالي واضح الفساد، لخروج الواجب بذلك عن كونه واجبا.
أما الملازمة فلأنه إذا كانت المقدمة بحيث لو تركها المكلف لم يتمكن من الإتيان بها بعد ذلك - كقطع المسافة بالنسبة إلى أداء الحج فتركها المكلف - فإما أن يكون عاصيا عند ترك قطع المسافة أو عند ترك الحج في موسمه المعين، لا سبيل إلى الأول، إذ المفروض عدم وجوب ذلك عليه بوجه من الوجوه فلم يصدر عنه حينئذ فعل حرام ولا ترك واجب أصلا ومع ذلك لا يعقل صدور العصيان منه بوجه من الوجوه، ولا إلى الثاني، لامتناع الإتيان به في وقته بالنسبة إليه ومعه لا يمكن حصول العصيان ولا استحقاق العقوبة بتركه، إذ لا يتصف بالحسن والقبح إلا الفعل