المقدور وملاحظة العرف أقوى شاهد على ذلك ألا ترى أنه لو أمر السيد عبده بفعل معين في زمان معين في بعض البلاد النائية والعبد ترك المسير إليه عمدا إلى حضور ذلك الزمان فعاقبه المولى بعد حضور الزمان المعين على ترك ذلك الفعل فيه وإخلائه عن ذلك العمل معترفا بعدم صدور قبيح من العبد يستحق به العقوبة إلى ذلك الزمان أصلا؟ وإنما تجدد منه صدور القبح حين تعمده ترك الفعل في الزمان الحاضر لسفهه العقلاء وحكموا بضعف عقله وفساد رأيه.
كيف ولو فرض أن العبد كان نائما في الزمان الحاضر أو حبسه جائر بحيث لم يقدر على الخلاص لم يعقل استحقاقه للعقوبة بترك الفعل في ذلك الزمان أيضا، لقبح تكليف النائم والمحجور عليه مع أن من الواضح عدم تفاوت الحال في استحقاق العقوبة بين كونه نائما أو ممنوعا من الفعل أو غيره؟ فليس استحقاقه للعقوبة إلا من جهة ترك المقدمة من حيث أدائه إلى ترك ذي المقدمة، وهو مفاد الوجوب الغيري.
وأنت بعد التأمل فيما مر تعرف ما يمكن إيراده على التقرير المذكور وما يدفع به عنه.
قوله: * (والحكم بجواز الترك... الخ) *.
ليس ذلك من تتمة الجواب وإنما هو دفع دخل يورد في المقام وقد عزى إيراده إلى أبي الحسين البصري، حيث زعم أنه بناء على عدم وجوب المقدمة شرعا يكون تركه جائزا مع أن خطاب الشرع بجواز تركها بعد أمره بذي المقدمة قبيح ركيك.
وقد أجاب عنه المصنف: بأن الحكم بجواز الترك هنا عقلي لا شرعي يعني:
أن العقل يدرك جواز ترك المقدمة من غير أن يصرح الشارع بذلك فإنه لما لم يكن الأمر بذي المقدمة مستلزما للأمر بمقدمته ولم يكن هناك دليل آخر على وجوبها جاز عند العقل ترك المقدمة، إذ هو اللازم بعد نفي الوجوب من جهة انتفاء الدليل عليه، فإذا ثبت عدم حكم الشارع بوجوب المقدمة لزمه الحكم بجواز تركه فحكم