وذهب العدلية إلى أن حقيقة الطلب هي الإرادة المتعلقة بفعل الشئ أو تركه وعليها مدار الإطاعة والعصيان، والألفاظ الدالة على ذلك من الأمر والنهي إنما هي لإعلام المكلف الذي هو من شرائط التكليف، ولذا قد لا يكون العلامة لفظا بل شيئا آخر من دلالة العقل وغيره من الإمارات المنصوبة على حصول الإرادة المذكورة. واستدلوا على ذلك بأنه لا يعقل الانسان بعد رجوعه إلى وجدانه عند أمره بالشئ أمرا آخر وراء الإرادة المذكورة يصلح لأن يكون مدلولا للصيغة فلو كان هناك شئ آخر لزم أن يكون معلوما بالوجدان، كسائر المعاني الحاصلة للنفس من العلم والقدرة والكراهة والشهوة والفرح والهم والجبن ونحوها، فإذا لم يتعقل هناك معنى آخر وراء ما ذكر من الإرادة تبين أنه ليس معنى الطلب إلا الإرادة كيف ولو سلم أن هناك معنى آخر لا يدركه إلا الأوحدي من الخواص؟
فكيف يصح القول بوضع صيغ الأمر والنهي لذلك؟
ومن المقرر أن الألفاظ الظاهرة الشائعة الدائرة بين العامة غير موضوعة بإزاء المعاني الخفية التي لا يدركها إلا الأفهام الدقيقة، وقد خالف في ذلك الأشاعرة فزعموا أن الطلب أمر آخر وراء الإرادة وجعلوه من أقسام الكلام النفسي المغاير عندهم للإرادة والكراهة.
وقد عرفت أن ما ذكروه أمر فاسد غير معقول مبني على فاسد آخر - أعني الكلام النفسي - وليس بيان ذلك حريا بالمقام فإنما يطلب من علم الكلام، فإذا تبين أن حقيقة التكليف هو ما ذكرناه من الإرادة فمن البين أن الإرادة المذكورة لا تحدث بواسطة اللفظ فإنها أمر نفساني لا يمكن حصولها باللفظ وإنما يكون اللفظ كاشفا عنها دليلا عليها فهو متأخر عنها في الوجود دال على حصولها في النفس شرط لتعلق الإرادة بالمكلف.
إذا تقرر ذلك فنقول: إن الإيجاب على ما ذكرنا هو الإرادة الحتمية المتعلقة بالفعل فإذا صدر ذلك منا متعلقا بفعل من الأفعال وعلمنا أن ذلك الفعل لا يتم في الخارج إلا بفعل آخر وكانت الإرادة الحتمية متعلقة بالفعل الأول على جهة